ابتدع المتسولون طرقا جديدة في التسول، وهم يتخذون من إشارات المرور الضوئية مكانا لتصريف السلع المشبوهة والمغشوشة والرخيصة، ولم تسلم منهم حتى الورود بمختلف ألوانها وأطيافها، أخذت الظاهرة في الانتشار بشكل كبير في كل مدن المملكة، فلا يكاد تمر من أمام إشارة مرور، إلا ويتلقاك متسول يبيع سلعته غير المعلوم مصدرها وجودتها، ومكةالمكرمة تلك المدينة المقدسة لها خصوصيتها، فقد باتت تلك الظاهرة تشوه منظرها وهي تستقبل السياحة الدينية من حجاج ومعتمرين وزوار على مدار العام، وتسبب أرقا لكل سكانها، وحينها لن تنفع كل الجماليات التي نحشدها لتزيين الأراضي المقدسة، فباعة الإشارات يعرضون بضائع رخيصة بعضها قد يكون تالفا ومنتهي الصلاحية، وبعضها لم يخضع للرقابة الصحية، فتشكل بذلك خطرا على الصحة العامة وعلى البيئة، كما أن أعدادهم في تزايد عند كل صباح ، ونلحظ ذلك حينما يداهم الباعة المتجولون السيارات، تراهم كالقطيع عندما يهجم على فريسته، والويل لصاحب السيارة الذي لم يتجاوب معهم حتى ولو مجاملا بفتح نافذة سيارته، حينها يطرقونها له بشدة ويرجون شراء بضائعهم .. «عكاظ» وقفت وسط إشارات مرور مكةالمكرمة، وخرجت بالافادات التالية.. وفيما يلي التفاصيل: طرق تسول نموذجية «مويه بارد مويه بارد» نغمة تسمعها كلما مررت بإشارة مرور في العاصمة المقدسة، وبمجرد سماع هذه العبارة يتبادر إلى مخيلتك أنك لم تشرب ماء منذ زمن بعيد أو أنك في أحد المنتجعات السياحية، ولكن الحقيقة هي ان تلك العبارة هي ما يرددها بعض المخالفين في مكةالمكرمة، فلتنعم بها عند إشارات المرور مع سلع أخرى كثيرة ولا يمكننا حصرها بعضها ورود وادوات واكسسوارات للنساء والسيارات والمنازل، حولت إشارات المرور إلى «سوبر ماركات» يباع فيها كل ما لذ وطاب، و بمعنى أصح قل إنها عمليات تسول ولكن بطريقة «نموذجية». توغلت بين المركبات وتقمصت شخصية بائع مجهول، عند إشارات المرور دخلت إلى عالم البيع العشوائي لمعرفة أسراره وللإجابة على كثير من التساؤلات التي تدور في مخيلة المارة، ما حقيقة هذه السلع وما هو مصدرها ومن يقف وراء هؤلاء الباعة المتجولين، وكثير منهم أطفال لم تتجاوز أعمارهم السابعة، إلى جانب النساء والرجال كبار السن والشباب والفتيات في مقتبل العمر باختصار كل الأعمار نساء ورجال وأطفال. يتقصد البعض من الباعة المخالفة، أماكن مميزة في مكةالمكرمة، فهم يتمركزون عند الاشارات المهمة التي تكون على مداخل ومخارج مكةالمكرمة حتى اصبحت بعض المواقع في مكة تشتهر بهم، فقد احتلوا مداخل العاصمة المقدسة من كل الاتجاهات عند تلك الاشارات المهمة، إلى جانب الإشارات التي تقع داخل مكةالمكرمة، وتحديدا في المنطقة المركزية، والتي تكدست بالمخالفين وغالبيتهم من اصحاب العاهات المصطنعة والاطفال والنساء خصوصا الافريقيات، في صورة غير حضارية ولا تعكس جمال الأراضي المقدسة. اغلب الجنسيات المنتشرة في ممارسة البيع عند الاشارات المرورية، هم من الجنسية (البرماوية، النجيرية والباكستانية)، حتى أصبح البعض منهم يزاوج ما بين البيع في الإشارة وممارسة التسول في حال لم يستطيع بيع ما لديه من بضائع. «عكاظ» وسطهم توغلت «عكاظ» وسطهم وتعرفت على الكثير من خفايا العمالة المخالفة وما تمارسه من بيع عشوائي امام اشارات المرور، ومعرفة الاماكن المميزه التي يتطلب الوقوف بها وكيفية الهروب في حال قدوم الجهات الحكومية . توغلنا وسط المركبات، وامام إحدى اشارات المرور في العاصمة المقدسة برفقة زميلي المصور، الذي كان يرصد الاحداث بكاميرته ويتابعها من بعيد ليسرق اللقطات الحية، وأنا أبيع معهم للمارة، عبوات المياه الباردة، واتنقل بها بين المركبات، وبمجرد أن بدأت سمعت أصوات تهافت من قبل زبائني وهم يطلبون مني المياه الباردة، حتى ان العملية اصبحت جدا ميسرة، ولم تستغرق بضاعتي سواء بضع دقائق حتى نفدت جميع كميات الماء التي كانت بحوزتي، وبدون ادنى خوف ولا مبالاة من تربص الجهات المعنية، كوني بائعا مخالفا، وما ان انتهيت من عملية البيع حتى تقدم احد الوافدين من العمالة النيجيرية للمشاجرة معي بحجة ان هذه الاشارة والموقع من نصيبه، ولا يحق للغير ممارسة البيع فيها، وهو يرمقني بنظرات تحدٍ واشارات تخويف، ربما لحسن موقع الاشارة، كونها في منطقة تعتبر مركزية ومهمة في مكةالمكرمة. مصدر البضائع وأنا وسطهم عقدت علاقات صداقة مع احدهم، لمعرفة مصدر بضائعهم المشبوهة تلك، قال لي ان اسمه محمد نور، باكستاني ويشتري كراتين المياه بالجملة من المنطقة المركزية في الحلقة، يشتري اكثر من صندوق بسعر 9 ريالات، حيث يحمل الصندوق الواحد 24 عبوة ماء، ما يعني أنه دخله من كل صندوق يقارب 15 ريالا ربحا. واشار نور الى انه بدأ العمل مع احد اقاربه وهو في سن مبكرة، وظل يعمل في هذه المهنة لمدة 3 سنوات حتى تعلم وادرك ان هذه المهنة تربح اموالا طائلة وفي زمن وجيز، فقط تتطلب الخفة والصبر على الشمس وسمومها، فقرر الانفصال والعمل لصالحه، مشيرا الى انه اصطحب اثنين من اشقائه لتعليمهم المهنة والتمرس عليها. عدم مبالاة وانا أقف أمام الإشارة تحدثت إلى المواطن محمد الشريف، عرفته بنفسي، فأشار إلى أن عدم مبالاة أولئك الباعة بالعقوبات التي تطبق عليهم عند القبض عليهم، إلى جانب ضعف الرقابة من قبل الجهات المختصة، مؤكدا أن تكثيف تلك الرقابة وتشديدها، كان كفيلا بالقضاء على تلك الظاهرة للأبد. وهذا ما تطابق أيضا مع ما قاله محمد الموركي، حيث أشار إلى أن السلع التي تباع عند إشارات المرور إما تالفة أو سيئة التخزين أو قليلة الجودة، وفي كل الأحوال قد تشكل ضررا كبيرا على المستهلك. الأمانة: السلع ملوثة من جهته أكد سهل مليباري المتحدث الرسمي لأمانة العاصمة المقدسة، أن هذه الظاهرة موجودة ولا أحد ينكرها، وأن جهود صحة البيئة تقتصر على الجولات الفجائية لمصادرة تلك السلع دون القبض على أصحابها لعدم الاختصاص، مشيرا إلى أن السلع التي تباع عند إشارات المرور تكون في الأغلب ملوثة، لتعرضها لملوثات الجو. وأضاف مليباري أن هناك جهودا مضاعفة من قبل جوازات منطقة العاصمة المقدسة للقضاء على هذه الظاهرة غير الحضارية . فيما اكد الناطق الاعلامي لادارة الجوازات في مكةالمكرمة المقدم محمد الحسين ل «عكاظ»، ان ادارة الجوازات تطلق حملات مكثفة على جميع انحاء مكة للقضاء على العمالة المخالفة لنظام الاقامة، وتلك التي تعمل بغير المهنة المصرح لها بالتعاون مع جهات حكومية اخرى.