حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    جدّة الظاهري    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضاعت المسؤولية .. الشوارع والأحياء تكتظ بهم .. من يلاحق المتسولين؟
الشؤون الاجتماعية: الدوريات مسؤولة..الدوريات الأمنية: لن نطاردهم في الشوارع
نشر في عكاظ يوم 13 - 08 - 2010

أعداد كبيرة من المحتالين والمحتالات تنتشر في الأسواق والمواقف والمساجد وتقاطعات الطرق الرئيسة وإشارات المرور، فمن أين أتى هؤلاء؟ ومن يقف وراءهم؟
هل صحيح ما يتردد بأن هناك شبكات داخلية وخارجية منظمة لإدارة المتسولين والمتسولات؟
الجهات المعنية طرحت رؤيتها للمشكلة والحل، حيث تبادلت وزارتا الشؤون الإسلامية والشؤون الاجتماعية من جهة والدوريات الأمنية من جهة أخرى، إلقاء المسؤولية في ملاحقة المتسولين.
وفيما أكد مسؤول في الشؤون الاجتماعية أن التنظيم الجديد الذي وافقت عليه سبع جهات حكومية أناط بالدوريات الأمنية مسؤولية رصد المتسولين والقبض عليهم، رد المتحدث الرسمي باسم شرطة محافظة جدة المكلف الملازم نواف البوق أن الدوريات الأمنية "لن تتخلى عن واجباتها المعتادة، من أجل ملاحقة المتسولين في الشوارع".
وعلى صعيد ذي صلة، أكدت وزارة الشؤون الإسلامية أنها أبلغت أئمة المساجد بمنع التسول داخلها وضرورة إشعار الدوريات الأمنية أو مكتب مكافحة التسول عن أية حالات تسول تقع داخل مساجدهم أو خارجها.
البداية من التسلل
في جازان كشفت إحصائيات التسلل عبر الحدود الجنوبية، أن أعداد المتسللين تصل إلى ثلاثة آلاف يوميا، يمارس 50 في المائة منهم التسول بمجرد وصولهم إلى قرى المنطقة، بينما يصل عدد المقبوض عليهم في المنفذ الحدودي ما يقارب 60 ألف شهريا.
محمد شوعي متسول في جازان لا يتجاوز عمرة 17 اضطر لركوب الحمير والتخفي في القرى حسب قوله حتى وصل إلى محافظة صبيا، استعطف السكان وأصحاب المحال التجارية، وأثناء مرور الجهات الأمنية اختبأ بين الكراتين حتى غادرت فرق الحملة.
وأشار النقيب عبدالرحمن الزهراني الناطق الإعلامي في شرطة جازان أنه تم القبض على 2429 من جنسيات مختلفة يقيمون في الأحياء السكنية بطريقة غير مشروعة مع دخول الشهر.
جولات أمنية
وقال العقيد سعد القليطي في شرطة المدينة المنورة إنهم يقبضون على المتسولين عبر جولات، ومن ثم تسليمهم للجوازات، وفي حال وجود مبالغ مالية بحوزتهم يتم تحويلهم للمحكمة، للتحقق من عدم سرقتها ومن ثم إنهاء إجراءات ترحيلهم عن طريق الجوازات.
من جانبه أوضح المتحدث الرسمي في شرطة العاصمة المقدسة المكلف الرائد زكي الرحيلي أن الشرطة تختص بمكافحة الجريمة وتشترك مع عدة جهات في لجنة مكافحة الظواهر السلبية بما فيها التسول، حيث توفر الشرطة الأمن والحماية ممثلة في الأمن الوقائي، ويكمن دورها في إلقاء القبض على المتسولين واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، لافتا أن المقبوض عليهم من المتسولات الأجنبيات يتم تسليمهن للجوازات التي تتولى بدورها ترحيلهن، أما ما يخص المتسولات المواطنات فيتم مخاطبة الشؤون الاجتماعية لتسليمهن إليها لدراسة حالتها، موضحا أن آلية القبض تتم حال ورود بلاغ للشرطة، فيتم توجيه أقرب دورية إلى موقع المتسول لمباشرة الحالة، فضلا عن تسيير دوريات متجولة، مبينا أن الشرطة التي تشارك في لجنة الظواهر السلبية المشكلة من مكتب مكافحة التسول والشؤون الاجتماعية، تعمل على القضاء على التسول بكافة أشكاله.
تأشيرة متسول
وأكد المتحدث الرسمي باسم شرطة جدة المكلف الملازم نواف البوق أنه نظرا لزيادة ظاهرة التسول وعدم كفاية جهود الشؤون الاجتماعية، أصبح هناك تعاون بين مختلف الجهات من شرطة ومرور ومكافحة وغيرها في القبض على المتسولين، حتى أن فرقة مكافحة التسول لا تخرج إلا بوجود أفراد من الشرطة.
وأضاف البوق أن فتح باب العمرة طوال العام، ساهم لدخول معتمرين بقصد التسول والسرقة أو أي عمل غير مشروع، وبعد جمعه للمبالغ التي يريدها يذهب إلى سفارة بلاده بدعوى ضياع جواز سفره، لكن السفارات أصبحت في الآونة الأخيرة ترفض تسفيرهم، إلا بعد التنسيق مع الجهات الأمنية.
ولفت البوق أن سبب عدم إلقاء القبض على المتسولين عند الإشارات هو أن الدوريات الأمنية لن تترك عملها في الحفاظ على الأمن وتنظيم السير والمرور، لتلاحق المتسولين الذين يتسببون في الحوادث أثناء محاولة القبض عليهم، وبالتالي اتجهت شرطة جدة إلى حملات ومداهمات للمتسولين في أوكارهم في ساعات متأخرة من الليل قبل خروجهم لممارسة التسول.
صور متعددة للتسول
عبدالله محمد أحمد سعيد، في العقد الثاني من العمر، يقف بالقرب من أحد المنازل التاريخية المهجورة وسط جدة، بعد محاولات عديدة وافق على الحديث ونفى أن يكون متسولا، وأنه يبيع الخضروات والفواكه على إحدى العربات الخشبية، إلا أنه اعترف بممارسة التسول حين وصل إلى المملكة قبل ثلاثة أشهر مع مجموعة من أبناء جلدته دخلوا معا بطريقة غير نظامية.
وسطاء ومهربون
في موقع آخر وسط البلد في جدة كان علي إبراهيم أحمد يمني لم يتجاوز ال20 من عمره، يقول: الغالبية العظمى من الأطفال والشباب المهربين إلى المملكة، يتم تهريبهم برا عبر الحدود البرية اليمنية سيرا على الأقدام، وعن طريق الوسطاء المهربين، وبالنسبة إلي، فقد دخلت بهذه الطريقة بعد أن دفعت ما يقارب 2800 ريال سعودي، كمصاريف للطريق وأجر المهرب في الحدود.
تقارير مزورة
في شمال جدة وأمام إحدى الإشارات المرورية، بدا رجل مسن وشاب يمسكان بورقة، يطلعان عليها المارة والسيارات المتوقفة في الإشارة، فهناك من يصد عنهما وآخرون يتعاطفون معهما، وبالتحدث مع الشاب الذي كان خائفا ومرتبكا عند سؤاله عن أسباب تسوله، فقال: جئت عن طريق التهريب، وأعترف أن هذه الورقة عبارة عن تقرير طبي يشير إلى إصابتي بالسرطان، فقبل دخولي إلى المملكة أخبرني أحد الأصدقاء بضرورة الحصول على تقارير طبية من بلدي، تظهر إصابتي بمرض خطير، حتى استطيع أن استدر عطف الناس، وبالفعل استخرجت تقريرا رسميا من أحد المستشفيات، ولا أنكر أنني أجد الكثير ممن يتعاطفون معي ويدعون لي بالشفاء.
المتسولات الأفريقيات
«عكاظ» رصدت انتشار المتسولات جنوب جدة ووسط البلد ناحية حارة الشام والمظلوم وسوقي العلوي والبدو، واللاتي يسكن بيوتا قديمة، ومنهن الكثير من الجاليات الصومالية وقد مضى على سكن بعض العوائل أكثر من 20 عاما، تزاوجوا خلالها وأنجبوا الأطفال دون أوراق رسمية.
أم آدم (قاربت ال70 من عمرها) قالت: جئت إلى المملكة منذ ما يزيد عن ال21 عاما، وقد عملت في المنازل كخادمة، ولكنني مع تقدم العمر، لم أعد استطيع العمل، فأصبحت امتهن التسول مع كثير من بني جلدتي، فدخل شهر واحد من العمل كمتسولة، يعادل ماكنت أكسبه في العمل كخادمة في المنازل مدة ستة أشهر، ونعمل كجماعات وفي أوقات وأماكن مختلفة، ولكن في النهاية نجتمع في مكان واحد لنتقاسم الغلة والتي تصل في بعض الأحيان أكثر من خمسة آلاف ريال شهريا.
أما خديجة الصومالية وأم بكر فتقولان العمل في مهنة التسول مربح وبسيط، ولا يحتاج إلى جهد كبير وكل ماهو مطلوب في اليوم لا يتجاوز أكثر من أربع إلى خمس ساعات وقوفا عند أية سوق أو مسجد أو إشارة مرورية والخير يأتي إليك دون عناء.
مساعدة أبناء الجالية
وعن سؤال بعضهن عن كيفية دخولهن المملكة، فجاءت إجابة أغلبهن أنهن يأتين في موسمي الحج والعمرة ليجدن الكثير من أبناء الجالية في استقبالهن، وأغلبهن يقيمن بشكل غير قانوني، وبعد كل ذلك لنا الخيار إما العمل كخادمات منازل أو متسولات، وهي المهنة الأقل جهدا والأعلى عائدا.
أما في تبوك أثناء حملة لمكافحة التسول ألقي القبض على مواطن ادعى أن اسمه «محمد» أحد المتسولين فقال: أعول أسرة مكونة من عشرة أشخاص ولا أجد ما أصرفه عليهم فراتبي التقاعدي 1800 ريال، منه 900 لإيجار المنزل والباقي لايكفي لإعاشة الأسرة حتى نهاية الشهر، فأخذ تعهد عليه بعدم التكرار، وتم توجيه خطاب للجمعية الخيرية لمساعدته بعد دراسة حالته من قبل مكتب المتابعة الاجتماعية.
وضبطت عفاف أثناء جلوسها أمام إحدى الأسواق التجارية في حي الصالحية في تبوك، قالت إن زوجها هو من يجبرها على التسول، وأثناء حضور زوجها تمت مناصحته وعدم إجبارها على التسول، إلا أن الزوج علل بأن هذه هي زوجته الثانية بعد طلاقه من الأولى، وأن راتبه ضعيف ولديه أطفال يريد أن يطعمهم.
أما نورة وخلدة وصفية فقد أصبحن مألوفات لدى مكافحة التسول في تبوك لضبطهن أكثر من مرة ومناصحتهن ومساعدتهن، إلا أنهن اتخذن من التسول مهنة، فتم تسليمهن للشرطة تمهيدا لتحويلهن إلى السجن العام.
تزايد أعداد المتسولين
في تحليله لظاهرة التسول من وجهة النظر الاجتماعية، أوضح الدكتور محمد بن سعيد الزهراني عضو هيئة التدريس في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، في ورقته المقدمة خلال اللقاء السنوي للجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية الذي عقد مؤخرا، بعنوان «العوامل المؤثرة على ازدياد انتشار ظاهرة التسول في المدن السعودية» أن هناك دراسة من الشؤون الاجتماعية أجراها فريق بحثي برئاسة الدكتور مساعد بن إبراهيم الحديثي، أرجعت الأسباب الرئيسية في بروز ظاهرة التسول إلى تزايد أعداد المتسللين والتخلف ما بعد انتهاء موسم الحج والعمرة والأمية والأمراض والانحراف أو الجريمة وضعف القيم الأسرية.
وأضاف أن من العوامل المؤثرة على ازدياد انتشار ظاهرة التسول التعاطف المستمر والشديد من معظم أفراد المجتمع مع حالة المتسولين، وعدم وجود رادع قوي من جهات الضبط الاجتماعي، وكثرة أعداد المتخلفين، ووجود عصابات محترفة تشرف على عمليات التسول وتتابع تحركات حملات مكافحة التسول، وقلة مكاتب مكافحة التسول والتي لا توجد إلا في أمهات المدن، وضعف إمكانات حملات مكافحة التسول المادية والبشرية ووجود حساسية كبيرة وصعوبة بالغة عند القبض على النساء.
المتسول المحترف
وعدد الدكتور الزهراني أبرز الخصائص التي يمكن أن نميز بها بين المتسول المحتال والمتسول المحترف، ومنها حسن استخدام المتسول المحتال المحترف للعبارات والكلمات الجميلة المؤثرة، في حين أن المتسول المحتاج لا يحسن غالبا استخدام مثل هذه العبارات لكونه قلقا أو خجولا ومترددا، بالإضافة إلى امتلاك المتسول المتحايل عادة مهارة اختيار المواقع الاستراتيجية الجيدة التي يحقق من خلالها عائدا جيدا في حين أن المتسول المحتاج لا يراعي اختيار المواقع المناسبة من منطلق رغبته في التخفي والتواجد في أماكن بعيدة عن الأنظار، لأنه لا يحب أن يعرف الناس شخصيته بسبب أعراف وتقاليد المجتمع ويسعى دوما أن يكون متخفيا بعيدا عن الاحتكاك بصورة مباشرة حتى يتلافى التعرف عليه، وغالبا ما يكون قنوعا ويكتفي بالقليل لسد رمقه وحاجته ومن يتكفل بهم.
انحراف الأطفال
مشيرا إلى أن للتسول آثاره الاجتماعية، فعندما تشجع بعض الأسر أفرادها على التسول، فإن ذلك قد يؤدي إلى انحراف صغار السن وانخراطهم في كثير من العلاقات غير السوية، التي قد تؤدي بهم إلى ارتكاب بعض الجرائم أو ترويج المخدرات.
ومن الآثار النفسية للتسول حسب ورقة الباحث، تصاحب المتسولين مشاعر من القلق والاكتئاب والخوف لاسيما الأطفال الذين قد يتعرضون للضرب أو الأذى من أفراد العصابات أو للمضايقات والاستغلال وتحملهم لبعض الألفاظ التي تحرج مشاعرهم، ما يساهم في ضعف تقدير الذات واحتقارها وعدم الثقة بالنفس.
أما الآثار الأمنية فقد تقود الضغوط الاجتماعية والنفسية هذه الفئة إلى التعدي على الآخرين بالضرب أو السرقة أو القتل كجزء من الدفاع عن الذات، أو الحصول على ما لدى الآخرين بالقوة الأمر الذي قد يحولهم إلى مجرمين، كما يؤدي التسول لانتشار العصابات في المجتمع وبروز كثير من الجرائم كخطف الأطفال وارتفاع معدلات الجرائم الأخلاقية.
أساليب متعددة للتسول
من جهته، وصف أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز في جدة الدكتور عبدالله باخشوين التسول إلى ظاهر وصريح، كأن يقف المتسول أمام الآخرين ويطلب منهم العون علنا وجهرا، أو عن طريق ادعاء أن عليه ديونا، أو علاجا، وهناك تسول مقنع ويتمثل في بيع السلع التافهة كاللبان وغيره، ومسح السيارات أمام المحال التجارية ومحطات الوقود والمطاعم، وتسول إجباري وهو نوع من أنواع التسول يتم فيه إجبار بعض الفئات على ممارسة التسول بالرغم عنهم، كتوظيف الأطفال وتسول موسمي، وهذا في مواسم معينة مثل المناسبات الدينية كالعمرة ورمضان والحج، أو المناسبات السياحية، وتسول عارض وهو الذي يكون بسبب ظرف طارئ، فيلجأ الشخص للتسول أو طلب العون من الآخرين، وتسول غير القادرين ويمارسه من هو مريض أو عاجز أو مصاب بعاهة لا تمكنه من العمل، وبالتالي يلجأ إلى التسول للحصول على المال لتوفير احتياجاته، وتسول احترافي، وهو الأسوأ حيث يصبح التسول مهنة.
أطفال التسول
من جانبه، قال الدكتور حسن الذبياني أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة طيبة إن المتسولين ينقسمون إلى سعوديين وأجانب غير شرعيين، وعدم شرعية وجودهم في المملكة دفعهم للتسول، وكذلك الأرامل واللاحقين من المعتمرين والمتخلفين.
وقال بالنسبة للسعوديين فالعدد محدود جدا، حيث يعد الضبط الاجتماعي في المجتمع عاملا مهما في محدودية المتسولين السعوديين حيث تبلغ إحصائية المتسولين السعوديين عشرة في المائة حسب إحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعية الأخيرة، مشيرا إلى أن تجمعات المتسولين أصبحت منظمة تدار من قبل أشخاص والأسوأ استخدام الأطفال في توزيعهم على عدة مناطق وأماكن بشكل منظم ومقنن حتى إنهم يجتمعون في سيارة ومن ثم يتوزعون على مناطق معينة على شكل اقطاعيات.
رأي علم الأسرة
وتعزو عميدة كلية الأسرة في جامعة طيبة والمتخصصة في شؤون الأسرة الدكتورة سها بنت هاشم عبدالجواد التوسع في التسول للناحية الاقتصادية وارتفاع الأسعار، مشددة على معالجة ظاهرة التسول من خلال نشر ثقافة مكافحته بين أفراد المجتمع وتوضيح أهمية التكافل الاجتماعي وتوفير فرص العمل.
وأكدت مديرة التوعية الصحية والأخصائية الاجتماعية في الشؤون الصحية في منطقة تبوك مها محيي الدين بخاري أن بعض المتسولات يعتبرن التسول مهنة لهن للحصول على متطلبات الحياة، مشددة على ضرورة تكاتف كافة الجهود لمواجهة هذه الظاهرة السلبية.
تنامي الاحتيال
إلى ذلك، يحذر مدير عام الشؤون الاجتماعية في منطقة القصيم الدكتور فهد المطلق من تنامي الاحتيال من قبل المتسولين والمتسولات، مؤكدا أن هناك شبكات منظمة تدير العمل حاليا في القصيم، وقد بدأت تحول الأطفال إلى ممتهنين للتسول، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية قبضت في الشهر الماضي على 48 سيدة يرافقهن 54 طفلا وطفلة يمتهنون التسول في بريدة، وبلغت نسبة السعوديين 97 في المائة ممن يقبض عليهم في المنطقة.
وأضاف الدكتور المطلق: هناك تنظيم جديد للحد من ظاهرة التسول في القصيم بتوجيه من أمير المنطقة وبمتابعة سمو نائبه وسيتم مستقبلا تحويل من يتكرر تسولهم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، تمهيدا لإحالتهم إلى المحكمة لإصدار أحكام بذلك، لافتا أن دورهم يتمثل في دراسة الحالة وتحويلها للجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي، وأخذ تعهد على المتسول والطلب من أحد أفراد العائلة لاستلامه.
لمن تحل المسألة
ومن الجانب الشرعي، أوضح الدكتور مرضي بن ناصر الدوسري وكيل المعهد العالي للأئمة والخطباء في جامعة طيبة أن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجلٍ أصابته جائحة اجتاحت ماله، ورجل أصابته فاقة، وإذا كان فقيرا وليس عنده مال فتحق لهم المسألة، وأما إذا كان أخذ المسألة للتزود والمتاجرة، فالرسول عليه الصلاة والسلام قد حذر من ذلك، قائلا «يأتي يوم القيامة صاحب المسألة ليس في وجهه مزعة من لحم»، ويقول في حديث آخر (أي جسد نبت على السحت فالنار أولى به)، وهذا ما يدل على عظم المسألة ومد اليد دون حاجة.
التسول في المساجد
وأكد الدكتور علي بن يوسف أستاذ الشريعة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، أن اتخاذ المساجد مكانا لاستعطاف الناس وسلب قلوبهم يتنافى مع ما ذهب إليه الشرع من نهي عن التسول في المساجد التي بنيت للعبادة وليس لطلب المال، كما أنه لا يليق لمخلوق أن يسأل في بيت الخالق، ولو كان ذا حاجة فكيف إذا كان كاذبا ومحتالا؟.
يذكر إمام وخطيب جامع حمزة بن عبد المطلب في مكة المكرمة الدكتور مجدي بن محمد باسلوم أن الإسلام نهى عن التسول ومد اليد بل أرشد إلى العمل، وقد عرف المجتمع الإسلامي للعمل قيمته في كل العصور، فكانت الحرف تنتشر في إنحائه، وكان الكثير من العلماء والائمة يحترفون ويعملون بأيديهم سيرا مع توجيه الإسلام واقتناعا بهديه في الكسب الحلال، وقد أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بهدي داود عليه السلام في كسب رزقه وأشاد به وجعله مثلا لأمته في قوله صلى الله عليه وسلم «ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده»، فاليد العليا خير من اليد السفلى، وأن صيانة الوجوه بالعمل هي سبيل المؤمنين.
مكافحة التسول
مدير مكتب مكافحة التسول في الطائف جبر الجعيد، أوضح وجود عدد من الجهات الحكومية المشاركة للقضاء على ظاهرة التسول كقوة أمن المهمات وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجوازات، مؤكدا أن الجهات الأمنية تشارك في حملات مكافحة التسول يوميا.
وأضاف أنهم استبقوا دخول رمضان الذي يكثر فيه ظاهرة التسول، بمشاركة الجهات المعنية في حملات استباقية مباغتة، للحد من تلك الظاهرة وعدم تناميها خلال الشهر، مؤكدا أنه تم القبض خلال 3 أيام فقط على 27 عائلة مخالفة لنظام الإقامة، تمتهن التسول باحترافية عالية، وكانت تنتظر دخول الشهر لاستعطاف المواطنين من الجانب الديني، وتم ذلك بعد رصدهم والتحري عنهم.
وعن دور المكتب قال الجعيد: نستلم حالات تسول المواطنين فقط، وندرس حالاتهم، ونقف ميدانيا على أوضاعهم، ويتم البت في أوضاعهم إما بإحالتهم لمكاتب الضمان، أو الجمعيات الخيرية، أو أخذ تعهد بعدم تكرار ذلك، مؤكدا أن تسول المواطنين نسبة قليلة جدا، أما بالنسبة للمتسولين الأجانب، فيسلموا لإدارة الوافدين بالجوازات المشاركين في مكافحة التسول بدورياتهم، ويتم ترحيلهم على الفور.
ترحيل 6031 طفلا
أوضح مصدر في مركز إيواء الأطفال المتسولين في جدة، أنه تم ترحيل 6031 من الأطفال المتسولين إلى بلدانهم خلال الأعوام القليلة السابقة، حيث تتولى إدارة الوافدين التنسيق مع القنصليات المعنية بترتيب إجراءات وثائق تسفير الأطفال، وبعد ترحيلهم تتولى هيئة الإغاثة الإسلامية والندوة العالمية للشباب الإسلامي استقبال الأطفال في مقارهم في البلدان المعنية، ودراسة أوضاعهم.
وأضاف المصدر إلى أنه قد أبرم مشروع مكافحة التسول الممثل في مجلس إدارته خمس اتفاقيات مع قناصل خمس دول (اليمن - تشاد - باكستان - أفغانستان ونيجيريا)، وهذه الاتفاقيات مع هذه الدول تمت بعد دراسات عميقة، لأنه وجد أن أغلب المتسولين من الدول، وتتلخص الاتفاقيات في التكفل بإيواء الأطفال من قبل الجمعيات الخيرية داخل المملكة مؤقتا، وعند وصولهم إلى بلدانهم يتم تسليمهم إلى ذويهم.
وعن إجراءات استقبال الأطفال المتسولين، قال المصدر «يتم ذلك عن طريق البحث الجنائي عند الإشارات المرورية الموجودة في الشوارع والأسواق والمراكز التجارية، وفي أي مكان يزاولون البيع فيه أو التسول ومن ثم تسلم إدارة البحث الجنائي الأطفال المتسولين لإدارة الجوازات لإنهاء إجراءات توقيفهم، وبعد ذلك تقسم الجوازات المتسولين إلى قسمين: فوق 15 عاما ويتم ترحيلهم عن طريق الجوازات، ومن هم دون ال15 عاما يتم تسليمهم لمركز إيواء الأطفال المتسولين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.