لم يكتشف الطب منذ آلاف السنين عقارا له فوائد عديدة لم تكن في الحسبان في بداية مرحلة اكتشافه كمسكن للآلام. منذ عهود قديمة كان الخلود في الحياة من أهم ما يشغل الكثير من العلماء والفلاسفة الذين استهلكوا أوقاتهم في البحث عن عود الإكسير، ذلك الشيء المجهول الذي يهب الإنسان الحياة الخالدة، لكن دون جدوى. واليوم علميا أقرب عقار لعود الإكسير هو دواء الأسبرين، فقد مر مائة عام على اكتشافه ويعتبر أول دواء بيع علي شكل أقراص وأكثر الأدوية شيوعا على المستوى العالمي. وتشير الإحصائيات إلى أن 80 بليون قرص يستخدم سنويا في الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها. يرجع تاريخ الأسبرين إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وحيث إن أبوقراط الأغريقي قد اكتشف هذا الدواء بالصدفة عندما كان يعلك لحاء شجرة (سليكس ألبا) البيضاء كمسكن للألم وخافض للحرارة وكانت النساء أكثر فئة تشكر أبوقراط على هذا الدواء وذلك لتخفيف آلام الولادة في ذلك الحين. في عام 1763 نشر العالم (ستون) من المجتمع الملكي البريطاني في لندن، ورقة عن الأسبرين وأثره في خفض الحرارة. وبعد 65 عاما من ذلك الحين تعرف كيميائي ألماني على المادة الفعالة في لحاء هذه الشجرة والأعشاب وأسماها سيليسين، ونما تصنيع هذه الأقراص في ألمانيا بواسطة فريدريك بيير . وبعد 29 عاما قام الكيميائي فليكس هوفمان بتصنيع بودرة ثابتة على هيئة أقراص تسمى الأسبرين وفي خلال عام واحد كان الأسبرين الدواء الأول المباع في الأسواق. وفي عام 1915 رخص بيع الأسبرين دون وصفة طبية. وفي عام 1980 أضاءت منظمة الأدوية والأغذية الأمريكية ضوءا جديدا على فائدة الأسبرين وذلك من خلال فوائده في الوقاية في الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية مما رفع مستوى المبيعات للأسبرين في الأسواق مرة أخرى. واليوم نرى أن الأسبرين من أكثر الأدوية مبيعا حيث إن نسبة المبيعات له هي 37.6 % من مبيعات الأدوية وتصل نسبة استخدام الأسبرين لعلاج الصداع إلى 13.8%. وفي ذلك الوقت لم يستطع أحد أن يتنبأ بالمكانة التي سيصل إليها الأسبرين في يومنا هذا؛ إذ إنه الآن أصبح عود الإكسير ومحور اهتمام التجارب المعملية في مجالات كثيرة كأمراض القلب، والسرطان، والصداع النصفي، وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل. ينتمي الأسبرين إلى نوع المسكنات غير المخدرة، أي أنه لا يؤدي إلى الإدمان. أفاد بحث جديد نشرته صحيفة تايمز البريطانية أن تناول قرص أسبرين يوميا يمكن أن يمنع انتشار السرطان، وقد يساعد حتى في علاج المرض. فقد اكتشف العلماء بجامعة أكسفورد أن تناول قرص يوميا من هذا الدواء العام والرخيص يمكن أن يقلل مخاطر مجموعة من السرطانات بالإضافة إلى بعض الفوائد خلال فترة لا تتجاوز شهورا. وتعمل هيئة الخدمات الصحية حاليا على إصدار نصيحة واضحة ما إذا كان ينبغي على ملايين الناس البدء في تناول الأسبرين الواقي كرد فعل على النتائج الجديدة المثيرة. ومن المعلوم أن الأسبرين يقي من النوبات القلبية والسكتات الدماغية، لكن آخر الدراسات تشير إلى أن التأثير الواقي من السرطان يمكن أن يكون أكبر . ووجد الباحثون أن احتمالات انتشار السرطان المشخص انخفضت بنحو النصف مع تناول قرص أسبرين يوميا. وهذه الفوائد الكثيرة المتنوعة لأقدم وأرخص الأدوية الحديثة جعلت الأسبرين «عود الإكسير». للتواصل (فاكس 6079343)