انتظم عقد حلقة علمية عن مكافحة جرائم غسل الأموال في رحاب جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بمشاركة متخصصين من المملكة والدول العربية والإسلامية، وهي حلقة هامة سعت هذه المعلمة الأمنية في استشراف القضايا المهمة ذات الطابع الأمني. ولا شك أن فقهاء المال والمصارف أبانوا أنها: عملية تستهدف إضفاء الشرعية على أموال متحصلة أو يتم الحصول عليها من مصادر غير شرعية ومشروعة تنطوي على إخفاء مصدر المال كالأنشطة الإجرامية وتحسن صورته في مشروعيته مما يمكن الفاعلين والمتعاملين من الاستفادة من حصيلة جرائمهم علانية. وهذه الأفعال تعد في الشريعة الإسلامية والقوانين والتشريعات جرائم تهدد أمن الدولة وسياستها المالية والاقتصادية، فهي حلقة تكميلية لجرائم وأنشطة محرمة شرعا وقانونا ولها ارتباط وثيق الصلة بتجارة المخدرات، وتهريب الآثار والاتجار بها، وتجارة السلاح، والدعارة، والقمار، والمتاجرة بالأعضاء، والتهرب الضريبي، والفساد الإداري، والرشوة، فكل هذه الجرائم تضفي الشرعية على أفعالها وفي إيداعها للمال المحرم في خزائن البنوك واختلاطه بالمال العام وخزينة الدولة، وعلى الرغم من تجريمه وأضراره الجسيمة فإن له آثارا مسلكية ضارة على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهو يقود الى خلل جسيم في البنيان الاجتماعي، وتفكك النسيج العائلي، وخلق الطبقية، وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتعميق هوة الفوارق بين طبقات المجتمع، وزيادة الحنق والأحقاد والضغائن، وإشاعة جرائم الفساد الوظيفي، والتهرب من المسؤولية، والحط من القيم الدينية كالأمانة، والقيم الاجتماعية الأخلاقية كالبطالة والثراء الفاحش المثير للريبة والشك. وإن جرائم غسل الأموال يجب التصدي لها، فعلى الرغم من الجهود الدولية لمكافحة هذا الداء الفتاك إلا أنها ضعيفة، والسبب في ذلك هو صور متعددة من التداخل لها ارتباط وثيق الصلة كالمخدرات والإرهاب وتجارة الرقيق الأبيض، وتصفية الأجساد من قبل العارفين للأنظمة، كما كان معمولا به في ظل أنظمة فاسدة وساسة صرفوا المال المغسول بالتصفية الجسدية لخصومهم. ومن الدول التي تصدت لمحاربة ومكافحة غسل الأموال المملكة العربية السعودية حسب لوائحها وأنظمتها؛ من ذلك حدد النظام عقوبة كل من يرتكب جريمة غسل المال بالسجن لمدة لا تزيد على 10 سنوات وبغرامة مالية لا تزيد على خمسة ملايين ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين مع مصادرة الأموال والمتحصلات والوسائط محل الجريمة وكل ما له شائبة محل المصادرة وخاضع لنظام المكافحة، وإنه لفخر أن يصدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على النظام. إننا في عالم القرصنة المالية وإهدار الثروات، الإنسان، المال، الحياة، فالواجب على الدول التصدي المكثف بالفاعلين والقضاء على الرموز والرؤوس الكبيرة للفساد دون رحمة أو هوادة، لأنهم بصنيعهم المحرم والفاسد يدمرون حياة أجيال، وهدم عمران، وتشييد أسطورات من الفساد، وخلق عصابات في الحياة لا تعبد الله على هدى وبصيرة، بل على سلوك مشين ومكاسب حرام، وتوظيف شراءات وأصول عقارية ومآكل ومشارب بنيت على حرام فالنار أولى بها، فوجوب تضافر الجهود مطلب شرعي وحس وطني والله من وراء القصد. * استاذ السياسة الشرعية والأنظمة المقارنة عضو مجمع الفقة الإسلامي.