حذر خبيران في الشأنين الاقتصادي والقانوني، من تعاظم اثر الفئات المرتبطة بغسل الأموال على القرار الاقتصادي والسياسي في البلد لتوجيهه لمصالحهم الشخصية مما يؤثر سلبا على الرفاة الاجتماعي، إضافةً إنها تغذي الفساد الإداري والاقتصادي في المجتمع. وأكدوا ل «الرياض» أن من الآثار السلبية لغسل الأموال على الاقتصاد المحلي، منها: تؤثر على سلوكيات المستهلك والمنتج، حيث تؤدي عمليات غسل الأموال إلى رفع معدلات التضخم، وذلك بسبب السلوك الاستهلاكي المرتبط بغسل الأموال بهدف إدخالها في النظام المصرفي وتذبذب عرض النقود في الاقتصاد. وأشاروا إلى أن تفشي هذه الجريمة في أي مجتمع ينتج عنه قيام منشآت وهمية لا تهدف إلى نمو اقتصاد المجتمع، مبينين أنها تتأسس لفترات قصيرة جداً، ومن ثم تهرب هذه الأموال إلى مجتمعات أخرى مما ينتج عنه خلل في مستوى النقد في الدولة. وقالوا إن من أضرارها توجهها إلى المصارف العاملة، وتأثيرها على العملة المحلية مما ينتج عنه عدم الاستقرار المالي والاقتصادي في الدولة، وكذلك زيادة الانفاق الحكومي لمحاربة هذا النوع من الجرائم، لافتين إلى أنها تؤثر على النواحي الاجتماعية والأمنية مثل: ارتفاع البطالة وتفشي الطبقية، وتدني مستوى المعيشة وارتفاع نسبة الجريمة «رشى، وفساد»، وزعزعة الأمن وانعدام القيم. وأوضحوا أن مرتكبي جرائم غسل الأموال يستهدفون قطاعات بعينها ومنها: المصارف والبنوك، شركات التأمين، الأسواق المالية، والأسواق العقارية «بما فيها المساهمات العقارية»، وكذلك الذهب والأحجار الكريمة نظرا لخفة وزنها وارتفاع ثمنها. بدايةً، قال الدكتور رجاء المرزوقي أستاذ الاقتصاد المساعد والمشرف على مراكز الدراسات الآسيوية في المعهد الدبلوماسي، إن عمليات غسل الأموال هي نتيجة حتمية للجرائم الاقتصادية (تجارة المخدرات، تجارة السلاح، الاختلاسات المالية ونحوها، مبينا أن سبب ذلك إدراج الأموال الناتجة من الاستثمارات المحرمة دوليا او محليا في النظام النقدي واخفاء المصدر الغير مشروع للأموال، مشيرا أنها تهدف في الأساس إلى اخفاء الرابطة بين المجرم والجريمة والاستفادة من هذه الأموال المتحصل عليها في مشروعات اقتصادية مستقبلية مشروعة. ولفت المرزوقي إلى أن التعامل في التجارة المحرمة أو الممنوعة يتم في الغالب بالنقد ولا يتم استخدام الشيكات أو الحسابات البنكية أو غيرها من آليات الدفع المرتبطة بالبنوك، مما ينتج عنها خروج سيولة ضخمة خارج النظام النقدي وتداولها نقدا بين اطراف العمليات الاقتصادية للتجارة الممنوعة. وبيّن أن غسيل الأموال تؤثر على سلوكيات المنتج فبدلاً من اتجاه المنتجين للاستثمار في مشروعات تحقق أقصى ربحية ممكنة «تعظيم الأرباح» فان غاسلي الأموال يهتمون بتملك المشروعات كوسيلة للغسيل - ولا يهتمون بتحقيق أقصى ربح بل على العكس قد يشترون مشروعات خاسرة ويبيعون المنتجات بأقل من ثمنها السوقي. وذكر المرزوقي أن غاسلي الأموال يركزون على تدوير أموالهم لتبدو كما لو أنها من مصادر مشروعه، ولا يلقون بالاً للجدوى الاقتصادية للمشروع، موضحاً أن تشوه سلوك المنتج والمستهلك، وعدم اتسامه بالرشد الاقتصادي، وتأثيره على المنافسة في السوق سيؤدي إلى تعطيل ميكانيكية التسعير في خلق التوازن في السوق من خلال تفاعل قوى العرض والطلب، في حين أن قوى العرض تتحدد بسلوك المنتج مدفوعا بدافع تعظيم الربح، وأن قوى الطلب تتحدد بسلوك المستهلك لتعظيم منفعته، وأن دافعي تعظيم الربح والمنفعة قد انتفيا نتيجة سلوك غاسلي الأموال مما ينتج عنه خلل في آلية التسعير والتي بدورها تؤدي إلى سوء تخصيص الموارد الاقتصادية والذي يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي والتنمية. واستطرد أستاذ الاقتصاد المساعد والمشرف على مراكز الدراسات الآسيوية في المعهد الدبلوماسي قائلاً: أن عمليات غسل الأموال تشجع الافراد في حالة تناميها الى الاتجاه للاستثمار في العمليات المشبوهة وذلك لارتفاع العائد نظرا للمخاطر المرتفع على هذه العمليات مقارنة بالاستثمارات المشروعة، إضافةً أنها تؤدي إلى سحب مدخرات الافراد من النظام المصرفي وتوجيهها للعمليات المشبوهة، مما يدعم الجرائم الاقتصادية ويساهم في إدخال جزء من العمالة الوطنية التي تعاني من البطالة لنقص الاستثمارات الى العمل في الاستثمارات غير المشروعة لينعكس سلبا على الأمن الوطني ويزيد نسبة الجريمة ويرفع التكاليف الاقتصادية للأمن الوطني. وأكد أن المحصلة النهائية لهذا الخلل الاقتصادي لقوى العرض والطلب وآليات التسعير وتخصيص الموارد انخفاض في نمو الناتج المحلي الاجمالي وانخفاض مستوى التنمية الاقتصادية، مستدلاً بما أثبتته الدراسات التطبيقية التي درست العلاقة بين النمو الاقتصادي وغسل الأموال، بالإضافة للآثار السابقة فان غسل الأموال يؤدي إلى سوء توزيع الدخل، وذلك لأن عمليات الغسيل تتم أساسا نتيجة لنشاط غير مشروع انتقلت من خلاله دخول من منتجين حقيقيين إلى فئات غير منتجه، أو حتى منتجه إنتاجاً غير مشروع له مضاره الاجتماعية، مبيناً أنها تنجح هذه الفئات في التهرب من سداد التزامتها الضريبية والزكوية، وهذا يؤدى إلى ضعف الحصيلة الزكوية والضريبية للدوله، مما يحمل الفئات المنتجة عبئاً ضريبياً مباشراً وغير مباشر لسد الفجوة في الدخول بينهم وبين ممارسي الأنشطة غير المشروعة. واعتبر أن الفساد الإداري والاقتصادي لأي اقتصاد دور في تعزيز وتحفيز غسل الأموال من وجهين، الوجه الأول: مرتبط بالاستثمارات المشروعة، فالفساد الاداري والاقتصادي يصعب الاستثمارات المشروعة ويقلل الفرص الاستثمارية المتاحة امام رأس المال في البلد، مما يرفع تكلفة الاستثمارات المشروعة ويزيد المخاطر التي تعترضها بحيث تصبح هذه الاستثمارات غير مجدية من الناحية الاقتصادية وذلك لتآكل الهامش الربحي المتوقع للمشروع في دهاليز الفساد الاداري متوزعة بين تجميد الاستثمارات وتعطيلها عن العمل لفترة زمنية طويلة والرسوم التي يضطر المستثمرون لدفعها للمتنفذين الاداريين لانهاء اجراءاتهم الاستثماريه بدون التعقيدات الإدارية والفساد، ويؤدي هذا الفساد إلى احجام الأموال عن الاستثمار في الاستثمارات المشروعة وتوفر هذه الأموال لاستثمارات مرتبطة بغسل الأموال. أما الوجه الثاني: من أوجه مساهمة الفساد الإداري في تفشي ظاهرة غسل الأموال ياتي من خلال البيئة الاستثمارية الخصبة للاستثمارات غير المشروعة ومايرتبط بها من غسل للاموال وهذا يشجع على تدفق الأموال من الخارج والداخل للاستفادة من هذه البيئة لغسل الأموال مما يؤدي الى مزاحمة الاستثمارات غير المشروعة للاستثمارات المشروعة في البلد وسيطرتها والذي ينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلد ومن ثم يصعب السيطرة عليها في الأجل الطويل، لافتاً إلى أن تنامي الاستثمارات غير المشروعة وغسل الأموال وتكالب الأموال من كل مكان للاستفادة من الوضع القائم في غسل الأموال يفقد متخذ القرار السياسي في البلد السيطرة على زمام الامور وتدار الدولة من قبل عصابات غسل الأموال، إضافةً إلى أن خطرها يتجاوز الآثار الاقتصادية إلى الآثار الاجتماعية والاستقرار السياسي. وأشار إلى أن أهم الطرق هو القضاء على الفساد الإداري والاقتصادي بكل أشكاله، من خلال الشفافية في التعامل مع الاجهزة الحكومية ووضوح الأنظمة والقوانين المتعلقة بالاستثمار، وسهولة آليات التظلم داخل الاجهزة الحكومية من الموظفين المرتبطين بالفساد الإداري وإنزال اشد العقوبات، وكذلك تفعيل دور الجهات الامنية في ملاحقة ومتابعة غسل الأموال، واعتبارها من الجرائم التي تؤثر على الاستقرار السياسي للبلد. وتوقع أن التعاملات الالكترونية «الحكومة الالكترونية» والتي من شأنها أن تقلل من اهمية المتنفذين الاداريين وتتيح للمستثمرين الحصول على حقوقهم بشكل سهل وميسر من خلال الحكومة الالكترونية وتقلل التعامل المباشر مع موظفي الأجهزة الحكومية، مطالباً بتشديد العقوبات على أطراف عمليات غسل الأموال حيث أن العقوبة يجب أن تتناسب طرديا مع عظم الجرم وكذلك صعوبة اكتشافه، لأن الجرائم التي يصعب اكتشافها لتصبح احتمالية اكتشافها ضئيلة يجب أن ترتفع عليها العقوبة لتتناسب مع صعوبة كشفها. بدوره، أكد الدكتور عايض العتيبي مستشار قانوني واقتصادي، أن غسل الأموال هو عبارة عن معاملات مالية تتم لأغراض متعددة منها إخفاء هوية مرتكبها أو مصدرها أو الجهات المقصودة بها، مشيرا إلى أن في الماضي كان يطلق مصطلح غسل الأموال على المعاملات المالية المرتبطة بجريمة منظمة، ولكن اختلف اليوم، إذ إن معظم الدول والحكومات توسعت في تعريف الجريمة لتشمل أي معاملة مالية نتج عنها أصول أو قيمة ما كمخرج من عمل غير قانوني «غير شرعي». وقال المستشار القانوني والاقتصادي، إن الأعمال غير المشروعة التي ينتج عنها أموال تدخل في جريمة غسل الأموال إما يقوم بها أفراد أو منشآت اقتصادية صغيرة أو كبيرة أو مسؤولين غير نظيفين، وكذلك أعضاء ما يسمى بالجريمة المنظمة مثل تجار المخدرات والمافيا والإرهابيين، بل يمتد القيام بهذه الجريمة إلى أن يشمل اتهام دول فاسدة ترعى مثل هذه الجرائم من خلال شركات وصناديق مالية، مبيناً أن تزايد معدل جرائم غسل الأموال أدى إلى أن تقوم الدول التي تعنى بمحاربة هذا النوع من الجرائم إلى سن أنظمة وتشريعات وإنشاء أجهزة حكومية لمكافحتها. وأوضح العتيبي كيفية عملية غسل الأموال من خلال التطبيق العملي أنها تتم من خلال ثلاث مراحل، الأولى: مرحلة الإيداع أو التمويه، وفي هذه المرحلة يتم التخلص من الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة عن طريق إيداعها في حسابات بنكية في دول غير دولة المصدر، ويتم استخدام حسابات الشركات الدولية لاستخدماها في تمرير الأموال وبعمولات مختلفة إلى البنوك المحلية وتظهر هذه الأموال بشكل أرقام في أرصدة الشركات الدولية. وأضاف «مرحلة التغطية: تتم عملية نقل الأموال المودعة إلى حسابات أخرى في دول أخرى من خلال تحويلها بين الحسابات البنكية، وهنا يأتي دور الشركات الوهمية التي تستخدم حساباتها كقناة لتمرير الأموال الناتجة من جريمة غسل الأموال مقابل عمولة أو نسبة من المبلغ المحول، أما مرحلة الدمج والتكامل: تتم إعادة الأموال الناتجة عن المرحلتين السابقتين وتضخ في الاقتصادين المحلي والدولي في شكل أموال مشروعة يتم استثمارها بطرق مشروعة، وأن مرتكبي جرائم غسل الأموال يفضلون أن تتم عملية غسل الأموال في الدول التي يلاحظون فيها إما عدم وجود أنظمة خاصة بمكافحة غسل الأموال أو تلك الدول التي تتصف بضعف في تطبيق هذه الأنظمة. وأبان أن السعودية هي جزء من المنظومة العالمية قامت ببذل جهود لمكافحة جريمة غسل الأموال إذ صدر قرار مجلس الوزراء رقم (167) بتاريخ 20/6/1424ه القاضي بالموافقة على نظام مكافحة غسل الأموال، الذي عرف غسل الأموال بأنه «ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبه خلاف للمشروع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر». وأشاد الدكتور العتيبي المستشار القانوني والاقتصادي، بدور المملكة العربية السعودية في التنسيق الدائم بين الجهات ذات العلاقة من خلال ربط مكافحة غسل الأموال بكل من: مؤسسة النقد العربي السعودي، ووزارة الداخلية بقطاعاتها المعنية بالجرائم المالية، وكذلك القضاء السعودي، الذي تم تشكيل اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال والمشكلة بقرار مجلس الوزراء رقم 15 بتاريخ17/1/1420ه ممثلة من كل من: وزارة العدل، وزارة الداخلية، وزارة التجارة والصناعة، وزارة المالية، هيئة التحقيق والادعاء العام، مؤسسة النقد العربي السعودي، مصلحة الجمارك، وهيئة السوق المالية. ولفت إلى أن الفساد الإداري والاقتصادي لعمليات الاستثمار يساهم في ارتفاع نسبة جرائم غسل الأموال في جميع دول العالم، حيث أن وجود شركات أو مؤسسات وهمية متخصصة في الإسهام في عملية غسل الأموال يعتبر احد الطرق التي يلجا إليها مرتكبو جرائم غسل الأموال، وإنشاء تلك الشركات أو المؤسسات لتلك الأغراض من خلال استخدام ثغرات في الأنظمة أو قصور في تطبيق الرقابة الإشرافية على تلك المنشآت، مطالباً بالدور التكاملي للأجهزة الحكومية والوعي الوطني لدى المواطنين للحد من هذا النوع من المنشآت الاستثمارية. ويرى العتيبي أن السعودية تتأثر من وجود مثل هذه المنشآت، إلا أن وجود الجهات الرقابية والتطبيق الصارم للأنظمة واللوائح والتعليمات المعنية بمكافحة هذا النوع من الجريمة يكون بالمرصاد حائلا دون انتشارها، مشيرا إلى أن الأجهزة الحكومية على اختلافها والمعنية بإصدار التراخيص لمزاولة أي نشاط في المملكة لديها أجهزة متابعة تقوم بتطبيق الإجراءات الكفيلة بالتحقق في هذه المنشآت التي تعمل في المجال المرخص لها وفقاً للتعليمات التي تعتبر مخالفتها ما يثير الشك حولها وبالتالي الرفع إلى الجهات المسئولة عن تجريم الأعمال الداخلة في جريمة غسل الأموال والتي بدورها تحقق من أن أركان الجريمة الواجب توفرها مكتمل لتوجيه الاتهام إلى تلك المنشآت والذي يجب الموازنة بين حق الحماية وحق التجريم. واعتبر أن من أهداف عمليات غسل الأموال يتمثل في أن أصحاب تلك الأموال قد حصلوا عليها بطرق غير مشروعة أو مقابل القيام بجرائم أخرى «مثل جرائم المخدرات، الإرهاب وغير ذلك»، وأضاف «يرغبون في إضفاء الصفة الشرعية لهذه الأموال واستخدامها في إقامة مشاريع تجعل منها أموالاً شرعية، وفي معظم الأحيان يستخدمون الأموال غير الشرعية في مشاريع سرعان ما يخرجون منها بخسائر كبيرة، وهذا الهدف له آثار سلبية متعددة ليس من الناحية الاقتصادية فحسب بل يتعداه إلى نواحٍ أخرى من اجتماعية وأمنية. وخلص المستشار القانوني والاقتصادي إلى القول أن القضاء على هذه الجريمة من خلال سن التشريعات والقوانين الكفيلة بمحاربة هذه الجريمة، وكذلك شدة وقسوة العقوبات التي يحكم بها على مرتكبيها، مشددا في الوقت ذاته على تثقيف المجتمع بصفة مستمرة وإيجاد مراكز بحثية وتدريبية تعنى بمتابعة كل ما يستجد من طرق وأساليب وأشكال لتنفيذ هذه الجريمة، ورسم السياسات والاستراتيجيات بصفة دورية لمكافحة هذه الجريمة.