اعتبر عميد كلية اللغة العربية في الجامعة الإسلامية الدكتور عبدالرزاق الصاعدي في كلمته خلال افتتاح المؤتمر الدولي الأول«اللغة العربية ومواكبة العصر» أمس الأول، أن اللغة العربية أصيبت بداء التلوث اللغوي، موضحا أنه داء مزمن ألم بها منذ أزمان الأمويين والعباسيين وتفاقم الداء في الأعصر المتلاحقة حتى كاد أن يرديها قتيلة، وأشار إلى أن المسيرة التاريخية لهذه اللغة لم تخل من العقبات وأكبر عقباتها وأخطرها ظهرت في هذا العصر الزاخر بكل جديد، فاضطربت وتلوثت وتكدرت بالعاميات فقد غزاها أعداؤها واستهان بها أبناؤها فداؤها خارجي وداخلي، وقال «في هذا النسق المحتقن نبحث عن أدوار فاعلة لأقسام اللغة العربية وهي الأقسام المتخصصة في الجامعات وواجبها كبير وحملها عظيم، لكن من المؤسف أن نرى الكثرة الكاثرة من أقسامنا في جامعاتنا بالوطن العربي تهمل العربية المعاصرة وتتعامى عن أدوائها، فلا درس لها ولا تهذيب، ولا تطويع ولا تقريب، يكتفون بالتراث ويرددون أقوال اللغويين والنحويين القدامى كأنهم غير قادرين على إنتاج المعرفة اللغوية بما يناسب هذا الزمن»، وأضاف«لقد تحولت أقسامنا بكل أسف إلى أقسام أثرية أعضاؤها عمال آثار وحفريات لغوية وهذا خطأ جسيم في حق لغتنا؛ لأن اللغة ليست هامدة، بل هي كائن حي كسائر اللغات الحية تحيا على ألسنة المتكلمين وتتطور بفعل الزمن كما يتطور الكائن الحي ويتغير في ثبات وسكينة»، وأكد الصاعدي أن الإعداد للمؤتمر بدأ منذ سنتين ووجد إقبالا كبيرا من الراغبين في المشاركة، إذ بلغت الأبحاث التي تلقاها 581 بحثا من دول مختلفة، انتقى المحكمون منها 66 بحثا، طبعت في ثمانية أجزاء. الصواب والخطأ في السياق نفسه، نفى عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان في محاضرة «الثقافة بين الأصالة والتجديد» التي عقدت على هامش المؤتمر، أن تكون الأصالة تعني التقليد الجامد الميت والتعصب للماضي ومتابعة القدامى متابعة عمياء في كل ما جاء منهم، أو الاستغراق في هذا القديم، بحيث ينقطع الإنسان عن واقعه وعصره وقال «التراث فيه الصواب والخطأ والحق والباطل والغث والسمين، وفيه ما يناسب أزمنة وأحوالا سابقة ولا يناسب زماننا وأحوالنا الحاضرة، مؤكدا أن الواجب هو تمحيص التراث وقراءته قراءة مستبصرة وفق معايير مضبوطة بالالتزام بالوحي ومقاصد الشريعة العامة والتمييز بين الثوابت والمتغيرات والقطعيات والظنيات»، مضيفا «التجديد والأصالة لا تناقض بينهما، بل يكمل الواحد الآخر ويطوره ويتكامل معه، فالأصالة هي الأساس التي يقوم عليه البناء وبه يقوى والتجديد هو الذي يكمل البناء ويجدده ويطوره ويزيده قوة وبهاء»، وأكد أن الواجب هو تمحيص التراث وقراءته قراءة مستبصرة وفق معايير مضبوطة بالالتزام بالوحي ومقاصد الشريعة العامة والتمييز بين الثوابت والمتغيرات والقطعيات والظنيات، وأوضح أن الثقافة تعني كل المخزون الديني والعلمي والفكري واللغوي والأخلاقي والعادات والتقاليد التي تقوم عليها كل أمة من أمم الأرض، مضيفا أنه لا يمكن فصل الثقافية عن الدين الذي تدين به الأمة وترسم هويتها وربما تشريعها وأحكامها وآدابها منه ولا يمكن أن تفصل اللغة التي تحدث وتكتب بها فهي الوعاء التي يحفظ هذه الثقافة وتعبر عنه، ولا يمكن فصلها أيضا عن رصيده العلمي والأخلاقي، وقال«الثقافة تشمل كل هذه المكونات التي أهمها الدين، ولكنها ليست هي الدين كما يقوله كثير من الناس، فقد يكون في جوانب الثقافة ما يخالف الدين من عادات منكرة أو اجتهادات غير موفقة»، وأضاف«الأصالة والتجديد واحدة من ثنائيات كثيرة تختلف في ألفاظها وتعبيراتها؛ ولكنها تتحد أو تتقارب في معانيها مثل الأصالة والمعاصرة والمحافظة والتحديث والجمود والتحرر والتقليد والتجديد والقديم والحديث والتراث والحداثة، وهكذا وتستخدم بعض هذه الدلالات استخداما سيئا ولا يمكن الموافقة عليها»، مشيرا إلى أن الأصالة لا تعني فقط الشيء العتيق الذي تقادم عليه الزمن، بل تعني كذلك الشيء الأصيل الثمين الذي له قيمة عالية وربما لا يوجد في الجديد ما يماثله أو يضاهيه، كما أنها تعني الهوية ولابد من أخذ العبر من التاريخ، ومعتبرا أن التاريخ يعيد نفسه في كل زمان وأعداء الأمس هم أعداء اليوم والمستقبل، مشددا على أن الأصالة تعني الاعتزاز بالهوية والبناء عليها وتطويع كل معطيات العصر ومستجداته ومخترعاته ومنافعه؛ لتتوافق مع مبادئ هذه الصالة وقيمها وتعمل على تقويتها ونشرها. طائفتان متطرفتان وقال الفوزان «ابتلينا بطائفتين متطرفتين الأولى هي المتمسكة بالتراث بحسنه وسيئه وخيره وشره فهي تعيش في الماضي وتهمل الاستفادة من معطيات العصر ومنجزاته الحضارية، فتجدها مفصولة عن واقعها معزولة عن العالم من حولها محرومة من الأخذ بأسباب القوة»، وأضاف«أما الطائفة الثانية فهي مبهورة بالتجديد والمعاصرة والتقدم وقد انسلخت من هويتها وتنكرت لانتمائها الديني والوطني والإسلامي فسلخت جلدها ولبست ثوبا غير ثوبها فصارت عدو نفسها وحربا على دينها وثوابتها، وربما ظن بعض هؤلاء الجاهلين أننا لا يمكن أن نرتقي في سلم الحضرة والتطور المدني حتى ننسلخ من ديننا وهويتنا ونحاربها كما حاربتها الثقافة النصرانية المعاصرة التي قامت عليها الحضارة الغربية، وهذا من أشنع الأوهام؛ لأن بعض الجهلة من أهل الإسلام يظن أننا لا يمكن أن نسامي الحضارة الغربية المعاصرة ونصل إلى مستواها في التقدم التقني والتطور المدني، إلا بأن نتنكر للدين كما تنكر العالم الغربي لسلطان الكنسية وكهنوتها، وينسى هؤلاء أنه لا كهنوتية في الإسلام، وأن الإسلام دين العلم، وأن العلم يدعو للإيمان، وهذا بون شاسع بين الكهنوتية التي تستعبد الناس وتحكم في عقولهم وبين الإسلام الذي جاء يحرر العباد ويخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد».