يتعرض من حين لآخر، جماعة الكتاب المشتغلين بنقد الشأن الاجتماعي لأشكال من اللوم والاتهام بأنهم لا يرون في المجتمع سوى جوانب القصور، وأن عيونهم تعمى عن رؤية ما فيه من جوانب أخرى إيجابية مضيئة، كما أن أقلامهم لا يعنيها أمر التوازن في القول فتظل تحصر نفسها في دائرة النقد لا تعرف شيئا غيره. وفي مقابل هذا، نجد القراء يتفاعلون أكثر ما يتفاعلون مع الكاتب الذي يفيض قلمه بالانتقادات لما هو متناثر في المجتمع من سلبيات في مناح كثيرة ومتنوعة، وتتصاعد درجة تفاعلهم مع كتابته وتتهلل أساريرهم ابتهاجا بها وحماسة لها كلما زادت حدة النقد في نبرته، لا يهمهم إن كان محقا فيما يقول أو واهما يكتب على غير علم ولا هدى. وفي الوقت نفسه، يفتر تفاعل القراء أكثر ما يفتر مع الكاتب الذي تخلو كتابته من النقد، كأن يحدثهم عن السياسة أو الفكر أو الثقافة أو الإبداع أو غير ذلك من المواضيع التي لا تتطرق لنقد الشأن الاجتماعي، فيقابلون كتابته بسلبية وبرود، وقد تزيد درجة السلبية عندهم فتبلغ حالة من النفور متى تضمن حديث الكاتب نظرة إيجابية تجاه أمر من الأمور أو تناول شخصا ما بالثناء والحمد. في تفسير أمر كهذا، أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن الناس يتفاعلون أكثر مع من يتحدث بلسانهم فيتناول مشكلاتهم التي تؤلمهم وينقل همومهم ويوضح احتياجاتهم ويشرح قضاياهم، أما من يكتب عما هو بعيد عن طبيعة حياتهم فإنهم لا يعنيهم أمره طالما أنه لا يلامس واقعهم الذي يعانون منه. لكن أحمد أمين له رأي مختلف حول هذه المسألة، هو يحيلها إلى التفسيرات النفسية فيجعل الميل إلى البحث عن الغلط والتشهير به أمرا غريزيا في طبيعة الناس الفطرية، ويستدل على ذلك بأن الناس حتى من كان منهم لا يمارس النقد بنفسه لا تعدم أن تراه يقف متفرجا على من يمارسه، مستمتعا بما يرى. يقول: «الناس مولعون بالنقد أكثر من ولوعهم بالتقريظ، ومولعون بالبحث عن العيوب وإظهارها والمبالغة في تصويرها أكثر من ولوعهم بالبحث عن المحاسن وإظهارها وتصويرها، وهم في ذلك بين اثنين: إما ممثل على المسرح يمثل دور الباحث عن العيوب المتجسس على السقطات، يستبشر كلما عثر على خفايا الزلات، ويقيس نجاحه بمقدار ما كشف من أخطاء، وإما شاهد لهذا المنظر أكثر ما يهتم له العيب الفاضح والسقطة الشنيعة، يطيل التصفيق لكاشف الزلل ويمنح الإعجاب من أصاب من آخر مقتلا». وحسب كلام أحمد أمين هذا، يصبح تفاعل القراء وحماستهم تجاه الكتابات النقدية نوعا من الإشباع لطبيعة غريزية كامنة في نفوسهم، تجعلهم يلتذون بسماع النقد الموجه للآخرين وإبراز عيوبهم والتركيز على نقائصهم وأخطائهم. وهذا التفسير يبعث على الشك في صحة ما هو غالب على الأذهان من أن سبب تفاعل القراء الشديد مع الكتابات النقدية هو لمجرد كون الانتقادات تخاطب حاجات الناس!!. ويزيد في ترسيخ الشك انصراف الناس عن الكتابات الأخرى عندما تتضمن الإشارة إلى عمل جيد، فهم لا يستهويهم سوى سماع النقد والإعابة. فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة