سادت «نظرية المؤامرة» ردحا من الزمن، واستغلها كثير من القادة السياسيين العرب لتبرير اخفاقاتهم وعجزهم عن تحقيق تطلعات شعوبهم، ما أفقدها البريق الذي كانت تتسم به إبان «الحقبة الثورية» التي شهد خلالها العالم العربي العديد من الانقلابات العسكرية المرتبطة في الغالب بالمعسكر الاشتراكي آنذاك، أيام الاتحاد السوفيتي قبل تفككه إلى جمهوريات مستقلة، حيث كان الحكام العسكريون الذين يستولون على السلطة في الدول العربية تحت جنح الظلام يتوهمون عدوا هلاميا ويظلون أسرى لذلك الوهم إلى أن تطيح بهم انقلابات أو انتفاضات شعبية. ولذلك بات مجرد الحديث عن نظرية المؤامرة مدعاة للسخرية والتندر. لكن تسريبات «ويكيليكس» جعلت الكثيرين يعيدون النظر في مرئياتهم. فهم وإن كانوا يشكون في مصداقية بعض ما ورد في الوثائق المسربة باعتبارها تمثل وجهات نظر من قاموا بإعدادها وقد لا تحمل كل الحقيقة، يرون أن الأمر يتطلب التفكير مليا قبل تبني موقف نهائي. وحسب رأيهم فإن الصراع بين الخير والشر سيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ومن الغباء افتراض حسن النية في سياسات توجهها مصالح محضة لا تضع اعتبارا للقيم الإنسانية التي تتستر وراءها. فليس سرا أن دولا بعينها تخطط لتحقيق مصالحها خارج حدودها عبر القارات على مدى يمتد لعشرات بل مئات السنين. وقد تتقاطع تلك المصالح مع مصالح دول وشعوب أخرى. ومن ثم فإن التغاضي عن ذلك وصم الآذان عنه يعد ضربا من الجنون مثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال حينما تداهمها المخاطر اعتقادا منها أن في ذلك منجاة لها وتحقيقا لسلامتها. إلا أن ذلك يجب ألا يكون مبررا لاعتبار «نظرية المؤامرة» مرجعية في تفسير كل الظواهر السياسية والنظر بعين الشك والريبة لكل الذين يخالفوننا في الرأي واعتبارهم خونة وعملاء ينفذون أجندة خفية لجهات خارجية. وفي ذات الوقت ليس من الحكمة في شيء أن نغمض أعيننا عن ما يدور حولنا في عالم أصبحت تسيره في الغالب المصالح الضيقة وتراجعت فيه المثل العليا، وإن كان يصم الآذان الضجيج الذي يثار بشأنها زورا وبهتانا. ولكي نتعامل مع ذلك الواقع المرير ينبغي علينا النظر إلى ما وراء الأشياء بكثير من الحكمة والحنكة دون مغالاة في افتراضات لا تعدو كونها مجرد خيالات. في الواقع تعد نظرية المؤامرة مريحة إلى حد كبير للكسالى الذين لايريدون أن يجهدوا عقولهم في تفكير فلسفي عميق. وتوفر لهم مبررا جاهزا لعجزهم عن مجاراة إيقاع التطور في القرن الحادي والعشرين ليكتفوا بإلقاء اللوم على الآخرين، وندب حظوظهم متحسرين على ماضي أمتهم التليد دون أن يسألوا أنفسهم عن سبب تخلفهم عن ركب مسيرة التقدم المبني على العلم والمعرفة في وقت لم يعد فيه موقع للمتقاعسين. وفي اعتقادي أننا في حاجة إلى وقفة جادة مع النفس نراجع فيها مسببات اخفاقاتنا للانطلاق للأمام بثقة وثبات.