يعود طرح مفهوم المواطنة على المحك؛ لأنه ثمة تساؤلات عميقة في طرحها تحاول تحديد مفهوم المواطنة وتجذرها في النفس البشرية؛ لتعزز خيارا وحيدا بات هو القاعدة القانونية لضبط العلاقة بين المواطنين؛ ليرتفع من دائرة انحصاره كمفهوم في الدفاع بالقول واللسان؛ ليصل إلى مرحلة أعلى وأرقى مضمونا من ذلك، إلى جعله سلوكا يترعرع وينمو في الإنسان منذ نعومة أظفاره. لقد أفصحت الدراسات الحديثة حول هذا المفهوم أبعادا جوهرية تركز أصول المواطنة التاريخية وجعلها تتصل بالمبادئ الإسلامية، ولفهم حقيقة هذا المفهوم من خلال أطروحات وأراء مفكرين ومثقفين وأدباء وضعوا مفهوم المواطنة على طاولة الحوار ودرسوا تطوره الفكري والاصطلاحي في سياق حركة المجتمع وتحولاته وتاريخه. وكما يقول أغلب المفكرين في هذا المجال ومنهم عبد الكريم الشيظمي (فالمواطنة في صلب هذه الحركة تنسج العلاقات، وتتبادل المنافع، وتخلق الحاجات، وتبرز الحقوق، وتتجلى الواجبات والمسؤوليات. ومن مجموع هذه العناصر المتفاعلة ضمن تلك الحركة الدائبة يتولد موروث مشترك من المبادئ والقيم والسلوك والعادات؛ يسهم في تشكيل شخصية المواطن ويمنحها خصائص تميزها عن غيرها، وبهذا يصبح الموروث المشترك حماية وأمانا للوطن وللمواطن، فالمواطن يلوذ به عند الأزمات ولكنه أيضا يدافع عنه في مواجهة التحديات؛ لأن المواطن لا يستغني عن الوطن والوطن لا يستغني عن المواطن، فوجود أحدهما واستمراره المعنوي رهين بوجود الآخر واستمراره). حب الوطن .. فطرة د . عبد الله بن صالح العثيمين * حب الوطن فطرة فطر الله الإنسان عليها، وإن لرقي وطن من الأوطان وتقدمه وسعادته لابد من وجود مواطنة واعية يتم في ظلها الرقي المأمول والتقدم المنشود والسعادة المرجوة. كما أن للمواطنة بمفهومها المتبنى في الوقت الحاضر لدى الأمم والشعوب مضامينها ومتطلباتها، وكثيرا ما ترددت على الألسن كلمة وطن ومواطنة وبعض من يرددها بحسب قوله قد لا يستوعب مدلوليهما أو لا يدرك تمام الإدراك أبعاد معنى الوطن ومتطلبات المواطنة ووسائل تنميتها، متناولا بالوقت ذاته المدلول اللغوي لكلمة وطن، مشيرا أن لها معان متعددة منها مكان إقامة الإنسان ومستقره وتوطين النفس على الأمور ورضاها بها، وقال إنها تأتي أيضا بمعنى الدار المعروفة التي يسكنها فرد أو أسرة واحدة، وقال إن كلمة مواطنة تعني معايشة المرء مع القوم في وطن واحد متضمنا الانتماء إليه والولاء له وفق أداء الواجبات المقررة والتمتع بالحقوق المتفق عليها. وبين أن من أساليب التعبير عن حب الوطن إظهار الحنين إليه عندما يكون المرء بعيدا عنه مستشهدا برسالة الجاحظ «الحنين إلى الأوطان»، التي أشار فيها إلى أن الحنين إلى الوطن أمر تشترك به جميع الأمم والشعوب. ولهذا ف«إذا كان الافتخار بالديار والأوطان أمرا مألوفا ومتوارثا لدى الأمم والشعوب، فما بالكم بهذا الافتخار إذا كان الوطن المفتخر به منبع العروبة وأصالة سامية نبيلة»، وقال إن الدين الإسلامي أوضح لمن تدبر قيمه ومثله حقوق المواطن وواجباته ومنها الوفاء بالعهد سواء كان بين الحاكم والمحكوم أو بين الأفراد المحكومين أنفسهم والتوادد فيما بينهم، وأشار أن كثيرا من الأقوال والكتابات الجزلة تعبر عن الوطن الموحدة أرضه المفتخر بإنجازاته العمرانية إلا أن مصداقيتها تحتاج إلى إثباتها على أرض الواقع عملا، إضافة إلى التعبير عنها لفظا. وكما نعرف فإن للمواطن حقوق كفلتها الشريعة الإسلامية وتعهدت قيادة المملكة أمام الله ثم أمام شعبها أن تطبق الشريعة الإسلامية، كما أن على المواطن واجبات يلزمه أن يؤديها سواء كانت من حقوق قيادة الدولة أو المواطنين المتعايشين معه في الوطن وفي الشريعة الإسلامية، ما يوضح تلك الواجبات والحقوق على وجه العموم وبمراعاتها وتنفيذ مبادئها وأحكامها الخير كل الخير على أن الحياة المعاصرة بكل ملابساتها وظروفها حتمت إيجاد أنظمة تحكم نشاط الحكومة والمجتمع على أساس أن تكون تلك الأنظمة منضبطة بأحكام الشريعة العامة. وذكر أن إيجاد المواطنة الحقيقية بالمجتمع وتنميتها يتم بتحقيق عدة عوامل، منها القدوة وتوافر العدل، وقال: إن تحقيق العدل يجعل الناس أكثر نظاما مما هم عليه. * الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية الانتماء الحق حمد القاضي * يجب علينا تصحيح مفهوم المواطنة الحقة وتحديدا الاعتقاد السائد بأن المواطنة هي عبارة عن قصيدة تكتب في مدح الوطن أو مقالة تكتب في«اليوم الوطني أو هوية تحمل في الجيوب، بل إن الوطنية الحق شعور يستلهم، و سلوك يتمثل، وليس مزايدة تتبدل، إنه محبة تشع، وليس منافقة تغتصب». المواطنة بقدر ماهي هوية تجسدها البطاقة الشخصية، فهي في ذات الوقت عطاء ومسؤولية وإخلاص للوطن، المواطنة ليست نشيد نتغنا به بأفواهنا، فالمواطنة إذا لم يصحبها مسؤولية تجاه أمن الوطن فهي لاتتعدى كونها هوية تحمل في الجيوب. إن المواطنة الحق يجب أن تقترن بالإخلاص للوطن، فالعامل في عمله والموظف في وظيفته والوزير في وزارته يجب أن يكون الإخلاص دافعهم في خدمة وطنهم وحمايته والدفاع عنه، وألا تظل المواطنة ناقصة أو شكل تجسده البطاقة الشخصية. * أديب وعضو مجلس الشورى خدمة الوطن محمد الوعيل * المواطنة الحقة هي أن تعلم ما لك وما عليك، وأن تعمل من أجل خدمة وطنك بصورة صادقة وأمينة، وذلك من خلال جميع الأعمال التي تأديها في مجتمعك الصغير أو الكبير، فنحن كمواطنين يجب علينا أن نواكب مرحلة التطوير التي تحدث في بلادنا في جميع مناحي الحياة، والتي هدفها الأول والأخير خدمة المواطن وتحقيق المزيد من طموحاته، فعندما نمارس المواطنة الصحيحة والتي تتمثل في دورنا الاجتماعي بصورة واضحة في خدمة الوطن في جميع المناحي والحفاظ على أمنه واستقراره والدفاع عنه بكل ما أوتيت من قوة، وأن ندفع بكل ما عندنا من جهد وأفكار وطاقة للسمو بوطننا والعمل من أجل رفعته واستقراره وتحقيق النماء الدائم له. * رئيس تحرير صحيفة اليوم هذا هو المفهوم د. محمد الهرفي * المواطنة كما أفهمها هي عملية إفادة واستفادة أخذ وعطاء لا يصلح أحدهما دون الآخر، فالمواطن هو الذي يعطي بلده أفضل ما يملك ويسخر كافة قدراته الإبداعية لرفع وطنه على المستوى المحلي والعالمي، وبالمقابل لابد ممن يقوم على هذا المواطن أن يعطيه أفضل ما عنده ماديا ومعنويا، فالمواطنة بهذ المفهوم هي بناء يتم بين مؤسستين المواطن ومؤسسة المسؤول، والمسؤول ليس بالضرورة أن يكون الحاكم، فهو الوزير ومدير الجامعة ورئيس الشركة، فكل هؤلاء مسؤولون عن المواطن والجميع مسؤول عن الوطن وحمايته وأمنة والحفاظ عليه. ان محبة الوطن غريزة فطرية، وهي لا تعني المواطنة الكاملة؛ لأن المواطنة الكاملة هي أن نحب الوطن ونعمل من أجله. إن الوطنية الصادقة هي شعورك أن الوطن هو بيتك الكبير، وكل ما لا ترضاه لبيتك الصغير يجب أن لا ترضاه لبيتك الكبير. * أكاديمي وكاتب الوطن هو الانتماء عبد الرحمن الحربي * كل مايطمئن إليه قلبي فهو وطن، الأرض وطن والمرأة وطن والأسرة وطن والخلوة وطن. والمواطنة لا تتأتى بغير الانتماء الروحي المرتبط ببهاء الوطن أما الوطن بمفهومه الشائع فهو تفسير ناتج عن تأثير وسائل الإعلام والتي تفرغ مفهوم المواطنة من معانيه العظيمة، فهي ليست انتماء الفرد لجنسيته والتزامه بقوانين الدولة فقط، بل المواطنة أكبر وأشمل من ذلك بكثير، وبالتالي فإن المناط بالمواطن في هذه الحالة من العلاقة العظيمة بينه وبين وطنه أن يتجاوز كل اللحظات العابرة ويسكن وطنه قلبه؛ لأن هذا هو الانتماء الحقيقي وهذه هي المواطنة الحقة. * نادي تبوك الأدبي خطوات منذ الطفولة د. عبدالوهاب القحطاني * يمكن أن نقول عند الحديث عن تعريف المواطنة؛ بأنها شعور داخلي سيكولوجي يشعر به الفرد في أي مكان في العالم تجاه أفراد المجتمع الكلي أو المجتمع المحيط به، مشيرا إلى أن المواطنة معنى شامل لمفهوم «قديم بثوب حديث» عرفه القدماء في مختلف الحضارات الإنسانية، ساهم على ترسيخه في العقل البشري عوامل كثيرة، كاللغة والدين والثقافة الاجتماعية والقيم. ولهذا أرى ضرورة ترسيخ المواطنة في التاريخ الحديث؛ عبر عدة قنوات يمكنها تحقيق ذلك، من قبيل الحدود الجغرافية والتاريخ المشترك والدين واللغة والأسرة والعادات والتقاليد والأنظمة السياسية والاجتماعية والتعليمية. كما لا بد من ربط المناهج الدراسية بالوطن وأهدافه واحتياجاته لغرس حب الوطن في الأجيال الناشئة منذ الطفولة؛ لأهمية التعاون بين الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية لتطوير خطط التعليم بما يخدم الوطن والمواطن، ثم قيام المؤسسات التعليمية بورش عمل لتطوير مفهوم وتطبيق المواطنة لدى المواطنين. ولتحقيق نجاح المؤسسات التعليمية والإعلامية في دورها بتعزيز المواطنة اقترح العديد من الأفكار المعينة على ذلك، منها قيام المؤسسات التعليمية بورش عمل لتطوير مفهوم وتطبيق المواطنة للطلاب، واعتمادها في مناهجها لنماذج في المواطنة، بهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة فيما يخص هذا الموضوع الهام من جانب، ولربط المنهج الدراسي بالعمل الخيري التطوعي الحاض على سلوك التسامح والتعايش بين المواطنين جميعا. * جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الإحساس بالمسؤلية أحمد بن سليم العطوي * إن المواطنة كمفهوم يتفق حوله الكل بعيدا عن التعريفات الكلاسيكية والإجرائية، فكل واحد منا يختزن في داخله مفهوما للوطن، والكل يتغنى بالمواطنة وينادي بواجبات المواطن تجاه وطنه، لكن لو سألته: ماذا قدم شخصيا لوطنه تجد الارتباك يعتلي محياه، لماذا؟ لأن مفهوم المواطنة مر لدينا بفترات لبس متفاوتة واعتراه شيئا من الضبابية نتيجة بعض الفئات التي اختطفت الوطن باسم الأمة، وجعلت من المواطنة تهمة، مجرد الحديث عنها يجعلك في نظرهم من فئة ضعاف الدين أو متزلفا. إن كل الشعوب تفتخر بأوطانها وتتفاني في سبيل رفعة تلك الأوطان، لأنها أرضعت أبناءها حب تلك الأوطان مع حليب الأمهات، بمعنى أنها حددت حقوق المواطن وواجباته فيها منذ ولادته، لذلك ينشأ الفرد فيها ويكبر معه مفهوم الوطن ليتفانى في خدمته والحفاظ عليه، بل العمل على رفعته، لذلك تقدموا هم وتأخرنا نحن. والأكثر من هذا ومما يصيب المرء بالدهشة حين يرى الدولة لدينا تقود المجتمع، بل تحاول أن تدفعه دفعا للتطور والنهوض ومسايرة الأمم، والحاق بركب الحضارة الإنسانية، وتشاهد من يحاول من أبناء جلدتنا الوقوف في وجه ذلك خوفا كما يدعون على الثوابت، ولنا في قصة تعليم البنات خير مثال على ذلك. ولذلك ينبغي أن ينصهر الكل في الوطن، وأن تقدم مصلحة الوطن وأمنه ووحدته على كل المصالح الفئوية أو الطائفية أو القبيلية، ينبغى أن تقدم روح المواطنة على ما سواها، لماذا لا نتذكر المواطنة إلا في الأزمات فقط، المواطنة تعني أن يتشبث الكل بالوطن والعمل على تقدمه في كل الأوقات. * المحاضر بجامعة تبوك العمل التطوعي غالية المحروس * استطيع أن استقرئ المواطنة من خلال استعراضي لأهمية العمل التطوعي وأهمية العطاء من خلاله للوطن؛ لأن التطوع في أي مجال من مجالات الخدمة المجتمعية هو بمثابة إثبات على غرس قيم الوطنية والمواطنة وحب الوطن، مشيرة إلى أن المرأة هي التي تبنت العمل التطوعي أكثر من غيرها، وهي بانية الأجيال لهذا يكون دورها مهم في غرس قيم الوطنية، وغرس قيم التطوع في المجتمع من أجل النهوض بالوطن. ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى أن أربع نقاط من الممكن أن تسهم في غرس روح المواطنة في الجيل الحالي والجديد، وهي بث روح التسامح والأخوة بين أبناء البلد الواحد، وتفعيل القانون، باتجاه تحديد الواجبات والمسؤوليات تجاه المواطنة والوطن، توسيع الانفتاح باتجاه حقوق المرأة. وأكد على أهمية المواطنة في توحيد الأمة أمام التحديات المشتركة، وتعزيزها للروابط بشتى أشكالها بين أفراد الأمة، فضلا عن التعايش بين الجميع على أساس الثوابت المشتركة. * موظفة سابقة في أرامكو ورائدة في مجال العمل التطوعي في محافظة القطيف الوطنية وحب الوطن حليمة مظفر * إن الوطنية وحب الوطن ليست مجرد هوية تحمل في الجيوب، بل شعور وانتماء وولاء للوطن ويتحقق ذلك من خلال شعور المواطن بواجبه تجاه الوطن على المستوى الفكري والأخلاقي والإنساني، كما أنه من الضرورة التي تقوي شعور المواطنة لدى الفرد هي حصولة على حقوقه كاملة من وطنه، الوطنية الصادقة هي سلوك يمارس، وأفعال تنفذ، ومسلك يقتدى به، ومشاعر تحس وأحاسيس تفوح ولا يباح بها. إنها اعتقاد بالقلب والوجدان، وعمل بالواجبات والأركان، وليست قولا باللسان. * كاتبة وصحافية الأم والتربية عائشة شعبان فخري * أعتقد أنه من البديهي مطالبة الأمهات السعوديات بالاهتمام بالغرس الناشئ، من خلال العناية والرعاية، والتربية السليمة، مشيرة إلى أن حب الوطن يأتي بالفطرة، ولا يحتاج إلى تدريسه في مناهج خاصة للتربية الوطنية، وحب الوطن ينبع من الأسرة، ومن تربية الأم لأطفالها على محبة الآخر، ومحبة الوطن من خلال التنشئة الاجتماعية، وأكدت على أهمية أن تعي المرأة السعودية دورها في الأسرة؛ لأنها هي من تصنع الأجيال، وتعدهم لبناء المجتمع والأمة السعودية السليمة والصالحة والمسالمة. ولفتت إلى أن الكثير من الأمهات لا يمارسن أدوارهن في التربية والتنشئة ولهذا تنشأ أجيال الوطن ضعيفة، كما أن غياب الأم كقدوة في حب الوطن والانتماء يجعل الفرص في بناء وتأسيس أجيال حامية ومحبة للوطن ضئيلة جدا، فإذا كانت الأم ساخطة على الوطن في المنزل، فكيف بها تغرس قيم المواطنة والمحبة في أبنائها. كما أن الأم هي كل الوطن، والوطن هو الأم، وهي التي تغرس القيم، وبصفتها امرأة مسلمة فالغراس لابد أن يكون قطافه يانعا وإيجابيا، كما أن عليها ألا تترك أبناءها في الأسرة يتعرضون لساعات طويلة إلى القيم الهدامة والسلبية وينهلون من منابع السلوكيات المنحرفة، وذلك من خلال وسائل الإعلام الهابطة التي تبث قيم مغايرة لقيم الإسلام، وقيم الفطرة السليمة، مشيرة إلى أن الوطنية أحساس داخلي ينبع من الوجدان، مؤكدة إلى أن جميع المواطنات والمواطنين وطنيون بالفطرة. * مواطنة من القطيف