«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الانتماء الوطني».. ضرورة للحفاظ على الوحدة والإنجازات ومواجهة التحديات
علماء ومفكرون يطالبون بآليات جديدة لتعزيزه في جميع مؤسسات المجتمع
نشر في الرياض يوم 23 - 09 - 2009

تعزيز قيم الانتماء للوطن ضرورة لحماية الوحدة التي تحققت على يدالملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله،وتعزيز قيم الانتماءليس مجرد مطلباً لتأكيد معنى الوطنية أو شعاراً يرفع في المناسبات المختلفة بل أصبح مسؤولية حقيقية للحفاظ على وحدة بلادنا وتأكيد مكتسبات لمزيد من الاستقرار والرخاء والأمن والانجازات ،ومواجهة التحديات والمستجدات التي يمكن أن تمثل تهديدات لهذه الوحدة، لكن كيف يمكن تعزيز قيم الانتماء ولاسيما في نفوس الناشئة والشباب لتحمل مسؤوليتهم في حماية الوحدة الوطنية ؟وما هو دورالأسرة والمؤسسات التربوية لتحقيق هذا الهدف،ولا سيما في وجود تصورات خاطئة عن تعارض الانتماء للوطن مع الانتماء للمنطقة أوالقبيلة.
(الرياض) طرحت كل هذه التساؤلات على عدد من المفكرين والأكاديميين فكان هذا التحقيق.
التأصيل الشرعي
في البداية تحدث د.خالد بن منصور الدريس المشرف العام على كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود، فقال:
المنطلق لتعزيز الانتماء للوطن في نظري يبدأ من ربط الجانب الشرعي بقيم الانتماء الوطني،والحقيقة لا يزال التأصيل الشرعي ضعيفاً بعض الشيء من حيث الكيف لا الكم في هذا الشأن،ولعل ذلك بسبب ضيق النظرة لمفهوم الانتماء الوطني فأغلب التأصيل الشرعي ينطلق من قيمة الارتباط بالأرض التي ولد فيها الإنسان وعاش،ويغفل تحديد القيم المطلوبة للانتماء الوطني ثم يؤصل لها شرعاً،وعلى رأس تلك القيم مفهوم طاعة ولي الأم،فهو في الشرع له مقصدهوالحفاظ على النظام وطاعة الأوامر في غير معصية، وهذا ينشئ بلا شك قيمة احترام الأنظمة والقوانين وهي ليست – نصوص الشريعة التي يتم الالتزام بها طاعة لله ورسوله -لأن مصدرها ولي الأمر الذي طاعته واجبة شرعاً بضوابطها المعروفة في الشريعة،هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من بحوث التأصيل الشرعي للانتماء الوطني مع حداثتها لا تزال تهرب من الأسئلة الكبرى المقلقة لكثير من الشباب المتدين، ولا تجد فيها توضيح كاف لدوائر الانتماء بصورة جلية خاصة في حالات التعارض والتناقض بين التزامات الانتماء الكبيرة والصغيرة.
ويضيف د.الدريس ولا أظن في بلد كبلدنا يحيا بالدين في كل مناشط دنياه أن تبقى مسألة الموقف الشرعي من الانتماء الوطني غير محسومة بتأصيل قوي ومتين يتم تنشئة الناشئة عليه منذ الصغر، فالمعارف والمعلومات التي تقدم تؤسس لرؤية تناحرية صراعية بين القيم الدينية والوطنية وهذا ينعكس اضطراباً وتشويشاً في الجانب الوجداني والمعرفي لدى الناشئة بل وحتى الكبار .بحاجة ماسة لتنمية قيم الانتماء وخاصة في ظل كل وجود ما يشبه الإجماع بين التربويين والمفكرين والمتابعين للشأن العام على أننا في حاجة ماسة في هذا الوقت لتنمية قيم الانتماء الوطني،وذلك لتحقيق غاية أساسية وهي الحفاظ على الإنجازات والمكتسبات التي تحققت خلال العقود الماضية وحماية الوحدة الوطنية، ومواجهة مهددات الأمن الوطني وأبرزها العمليات الإرهابية التي نفذها بعض من العاقين من شباب الوطن بكل أسف، والسبيل إلى تعزيز قيم الانتماء الوطني ينطلق أيضاً من التركيز على الممارسات اليومية والتعود على السلوكيات الصغيرة التي هي مظاهر للقيم الوطنية كاحترام الأنظمة والقوانين والحفاظ على الممتلكات العامة والاهتمام بالبيئة كنظافة الطرق والمنتزهات والمرافق الحكومية.
دور الأسرة
وحول دور الأسرة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية في تعزيز قيم الانتماء وترسيخها لدى النشء يؤكد د.الدريس إن دور الأسرة كبيرجداً فهي المحضن التربوي الأول وهي دائرة الانتماء الأولى للصغير، وهي بالتالي نواة مكملة ولبنة في بناء الانتماء الوطني، ومؤسسات التنشئة الاجتماعية وعلى رأسها المدارس والتي تتحمل المسؤولية الكبرى في ترسيخ قيم الانتماء الوطني، وهي بحاجة ماسة إلى خطة وطنية تربوية واضحة جداً متنوعة في وسائلها التطبيقية،ومدعومة بالبرامج والتقنيات المبهرة والمصممة بمهارة عالية لتتمكن من أداء مهمتها على الأوجه الأكمل، وما نراه الآن من جهود في هذا الاتجاه لا تخرج عن طور الاجتهادات الشخصية المشكورة، ولكنها لا تتوافق مع أهمية القضية.
خادم الحرمين يقبل أحد الاطفال أثناء تسلمه جائزة الخدمة الانسانية
ترتيب الأولويات
ولفت د.الدريس إلى أهمية علاج ما يتصوره البعض من تعارض الانتماء للوطن مع الانتماء للقبلية مؤكداً ضرورة أن تتصالح هذه الانتماءات فيما بينها وتندمج بتناغم وانسجام وألا يقع تعارض بينها، كما هو الوضع الأمثل لرؤيتنا للانتماء الوطني، والواقع الشاذ هو حصول التضاد والتناقض بين دوائر الانتماء المختلفة، وسبيل فك الاشتباك هو الوضوح في الطرح، وترتيب الأولويات بما يرفع التداخل والضبابية، ويكون ذلك مصحوباً بتأصيل شرعي عميق للقضية.
ومن الآليات التي يمكن من خلالها تعزيز قيم الانتماء الوطني هي:
تحديد القيم الوطنية بدقة ووضوح مع تأصيل شرعي دقيق وعميق.
نشر الثقافة الحقوقية للمواطن،وتوعيته بواجباته وحقوقه المختلفة.
التركي على أن المواطنة سلوك عملي،وانتماء عاطفي ووجداني،وهي شعور بمسؤولية يترجم إلى أفعال وتصرفات عملية.
التدريب على المشاركة المجتمعية التطوعية في كافة الأنشطة بما يرسخ الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لدى الفرد.
تعميق الإحساس بالمساواة بين أفراد المجتمع وضمان تكافؤ الفرص بين الجميع.
إبراز بعض الشخصيات الوطنية من الرجال والنساء في تاريخنا الوطني المعاصر ممن لهم مواقف مشرفة في الانتماء الوطني ليكونوا نماذج رائدة وقدوات حسنة.
تعميق الشعور بأن قوة الوطن من قوة مواطنيه وتقدمه وازدهاره هو تعبير عن المنتمين له.
التمسك بالوحدة الوطنية بالتركيز على القواسم المشتركة والمصلحة العليا التي تجمع كافة أطياف المجتمع بما يكفل تعاون الجميع في عملية البناء والتنمية والتعايش السلمي.
احترام الرموز الوطنية.
غرس الولاء الوطني.
مصير الوطنية!
من جانبه يرى د.عبدالله بن عبدالعزيز اليوسف وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية للرعاية والتنمية الاجتماعية أن غرس الولاء الوطني لدى جميع أفراد المجتمع يعد عملية محورية وأساسية لإحداث الاستقراروالتوازن داخل المجتمع حيث أصبحت كلمة «الوطنية» في السنوات الأخيرة قضية مصيرية تفرض نفسها بإلحاح على علماء الاجتماع والنفس والسياسة وجميع المهتمين بتربية النشء حتى أصبحت التنشئة السياسية إحدى الضرورات الأساسية في هذا العصرالذي نعيشه لإيجاد إحساس عام بالالتزام والولاء للسلطة الرسمية. وهنا يبرز الدور المهم الذي يجب أن تلعبه مؤسسات المجتمع المختلفة في تأكيد أهمية عملية التربية الوطنية حيث إن الأمن يتحقق فقط عندما تتكامل مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة لإحداث الاستقرار والتوازن الأمني داخل المجتمع.
وهذا الاستقرار يمكن تحقيقه من خلال التنشئة والتربية الوطنية وغرس الولاء الوطني في نفوس الناشئة والذي اعتقد أنه يجب أن يبدأ من سن السابعة تقريبا عندما يلتحق الطفل بالنظم الرسمية للتنشئة المدرسية من خلال المناهج الدراسية وبالتالي تنمو فيه الرغبة في أن يكون مواطناً صالحاً، كذلك فإن وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية لها تأثير على التنشئة السياسية والتربية الوطنية؛ حيث إن القيم التي تبنى من خلال وسائل الإعلام تؤثر كثيرا في اتجاهات أفراد المجتمع وسلوكهم اذ ان بعض الشباب لا يعرفون حجم المكتسبات الوطنية.
..ويستقبل الطلاب المبتعثين في أمريكا
ويضيف د.اليوسف من المعروف أن الإنسان عندما لا يعايش كيفية تكوين وتأسيس المكتسبات فإن قيمها لديه لا تصبح واضحة، وحيث إن غالبية الشباب لا يعرفون حجم المكتسبات الوطنية التي تعيشها البلاد بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تعيشه المملكة في الوقت الحاضر فإن تأكيدها باستمرار يعتبر مطلباً مهما لتوازن المجتمع وعملية تنشئة اجتماعية ضرورية للمواطنين حيث يؤكد عالم الاجتماع دوركايم ذلك بقوله: «إنه لكي يحكم الضمير الجمعي سلوك الإنسان فإنه ينبغي صياغة الأخير وتشكيله منذ البداية» ولا ينبغي أن تقتصر التربية الوطنية على مؤسسات المجتمع الرسمية بل يجب على الأسرة والمدرسة التأكيد على مايلي:
تأكيد الولاء لله سبحانه وتعالى وتعزيزه، وطاعة ولاة الأمر في المعروف.
تعريف المواطن بأهمية موقع المملكة ومكانتها وإمكانياتها وتاريخها لتكون محل افتخار واعتزاز للمواطن السعودي.
بيان مفهوم الوطنية من منظور إسلامي وبيان معنى الكرامة الوطنية وما تفرضه على المواطن.
تعريف المواطن بمتطلبات المواطنة الصالحة في ضوء تعاليم الإسلام.
غرس طاعة ولي الأمر وحب النظام واحترامه في نفوس المواطنين وتنميته لما في ذلك من خير لهم ومجتمعهم.
تعريف المواطنين بخصائص المجتمع الذي يعيشون فيه ومميزاته، وأن من أبرز خصائص مجتمعهم الاعتدال والتوازن والوسطية والتراحم والتواد والتعاون على البر والتقوى.
تعريف المواطن أن من أهم واجباته المساهمة بقدر الاستطاعة في سد النوافذ التي تهب منها ريح البغضاء والخصومة والفرقة بين أفراد المجتمع.
غرس حب الوطن في نفوس المواطنين وتنميته ليزدادوا اعتزازاً به وحرصاً على رفعة شأنه وتحمساً للدفاع عن كرامته وترابه.
تنمية المهارات لدى المواطن ليستطيع التمييز بين الحقائق والشائعات والتحقق من صحة المعلومات.
إبراز ما تتميز به الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية فيما يتعلق بمصالح البشرمن أجل ترسيخ أهمية تطبيق الشريعة الإسلامية لدى المواطنين.
تبصير المواطن بما قامت وتقوم به الدولة من واجبات في مختلف المجالات لرفع شأن الوطن والمواطن.
تعريف المواطن بالشخصية المميزة لوطنه وسياسته الخارجية التي تحظى باحترام المجتمع الدولي لجهوده المميزة في خدمة القضايا العربية والإسلامية وعمله على تحقيق الأمن والسلام بين الأمم.
تنمية الاعتزاز بالانتماء إلى الأمتين العربية والإسلامية والاقتناع بأهمية الارتباط بالعالم الخارجي.
د. اليوسف يتحدث للزميل آل زاحم
آليات تعزيز قيم الانتماء
وعن آليات تعزيز قيم الانتماء والاعتزاز بالمواطنة يقول د.اليوسف الانتماء الوطني من المشاعر والروابط الفطرية إذ ينمو ويكتسب ليشد الإنسان إلى وطنه الذي استوطنه.وهذه الحقيقة هي ما يجعل أفراد المجتمع يتكاتفون على احترام النظام ومراعاة الحقوق، ويتعاونون على محاربة أي فكر دخيل منحرف يهدد دينهم وأمنهم وأموالهم وأنفسهم ونسلهم. وعلماء الاجتماع يؤكدون أهمية روح الأخوة في استقرار المجتمع وأمنه؛ فهم يؤكدون أنه بقدر ما تسود روح الأخوة بين الناس بقدر ما تقل الجرائم، وبقدر ما تقل هذه الروح في المجتمع تزيد الجرائم وتتوتر العلاقات الاجتماعية بصورة عامة.
حب الوطن
ومن ناحيته يؤكد البروفسور سليمان بن عبدالله العقيل أستاذ الاجتماع بجامعة الملك سعود أنه من البديهيات في علم الاجتماع أن المجتمع هو مجموعة من الناس يعيشون في حيز جغرافي معين تنشأ بينهم علاقات، وهذه العلاقات هي التي تنشئ القوانين والنظم والعاطفة والحب لهذه البقعة الجغرافية، وغير ذلك من مقتضيات التجمع البشري، وذلك جاءت جميع الأديان والثقافات والمرجعيات على مدارالتاريخ وفي كل بقعة من بقاع الأرض على أن حب الوطن جزء لا يتجزأ من الثقافة والدين، ومن هنا نشأت القيم التعليمات والقوانين والتوجيهات والممارسات التي تحث وتؤكد وتشدد على حب الوطن والانتماء له، بل أن هناك تجريم وعقاب لمن يخالف ذلك. والمجتمع العربي السعودي يحمل في ذاكرته الكثير حول الانتماء وحب الوطن من خلال الكثير من المعطيات الثقافية والتاريخية وغيرها. وإذا كان البعض يرى أن التنمية والتغير الاجتماعي والاقتصادي والانفتاح على المجتمعات كان له أثر واضح في تغيير بعض القيم الاجتماعية، ومنها الانتماء الوطني، فإن ذلك يرجع بالأساس إلى أن الأسرة والمؤسسات الاجتماعية الرسمية والإعلامية لم تأخذ على محمل الجد سلبيات التنمية وسار الجميع معتمدين على المحتوى الاجتماعي والأسري في تربية الأبناء، فما تعلمه الأب من أبية عن حب الوطن في السابق سوف يأخذه الابن بشكل تلقائي،ومن هذه النتيجة التي كانت مقدماتها صحيحة، وجد بعض الضعف في الانتماء وذلك من خلال بعض الممارسات والأفعال المخالفة لمحتوى المجتمع بصورته الاجتماعية أو الدينية أو السياسية أو غير ذلك من المخالفات التي كان مردها إلى قلة الوعي والضعف في الاستشارة والاسترشاد وكثرة المغريات وضعف الصور الذهنية الصحيحة لديهم، وكانت أهم هذه النتائج الفاسدة هو الإرهاب وتداعياته وبعض السلوكيات الخاطئة في المجتمع.
تضافر الجهود
الرسمية والمجتمعية
ويضيف د. العقيل والحقيقة إن الوطن لا يعني مكان المأوى والسكن فقط، ولكنه يعني فيما يعني، المحتوى الاجتماعي للمجتمع والتصور الديني له كما ارتضاه أفراد المجتمع، ويعني الرموز الاجتماعية فيه ويعني المحتوى السياسي له ويعني المجموعة الكبيرة من القيم الضابطة والدافعة نحو الاستمساك بالمجتمع مهما وجد خطأ أو زلة أو مخالفة، فالوطن أكبر من هذا كله وأكثر ثباتا واستمرارا، وأن المجتمع العربي السعودي بما يحمل من معطيات كثيرة وكبيرة حول الانتماء وحب الوطن تجعلنا نتحقق من أن هذا المجتمع قد غذى أبناءه على حبه واستمر في ذلك، ولكن الاحتكاك بالثقافات الأخرى والمقارنات الخاطئة والتصور المزيف حول الوطن والرموز والمحتوى يجعل البعض يشعر بأن هناك نوع من الاهتزاز لهذه القيم، ولذلك يمكن القول أن المجتمع السعودي بأفراده ومحتواه ليس فاقد الوطنية أو قيمها، ولكن المطلوب هو تعزيز هذه القيم بالأسلوب والطريقة التي تناسب عقلية هذا الجيل، ومن دواعي ولوازم هذا التعزيز تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية على تحديد أولوية وإستراتيجية وطريقة التعامل مع المدخلات الثقافية والفكرية والاقتصادية وغيرها ذات الجانب الثقافي المؤثر على محتوى المجتمع وعدم تركها حتى تصبح مشكلة اجتماعية أو مجتمعية تهدد أمن واستقرار واستمرار المجتمع، ويكون هذا التعامل مع المدخلات وفق مقاييس ودراسات لتقدير الآثار الاجتماعية لهذه المنتجات الثقافية بجوانبها المتعددة، بل ومن مقتضيات التعامل مع هذه المدخلات أيضاً تحفيز التعقل والوعي في التعامل معها ولا سيما من قبل أبناء المجتمع الصاعد، فهذا الجيل في المجتمع السعودي، لم يشعر بما كان يعانيه المجتمع في السابق، من الخوف والجوع والجهل والمرض والتخلف وانعدام قيمة الإنسان في زمن كان الانتماء للمجموع فيه ضرورة حياتية وليست برغبة أو إرادة، ولكن بعد توحد المملكة على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله، شعر الناس بالأمن والاطمئنان وأستمر ذلك في عهد أبناءه الميامين، ولذلك يشعر الشباب الآن بالأمن والخير والاستقرار والحرية في كل شيء، ولا بد أن تكون هذه الحرية منضبطة، ومن ثم بدأ البعض بالبحث في قضايا ومسائل كانت في الزمن السابق جزء من المحرمات الاجتماعية التي تخرج الفرد من الجماعة.
ولا ننسى الأدوات والبرامج والاستراتيجيات والخطط والممارسات التي تؤدي بالضرورة إلى تفهيم هذا الجيل حقيقته وحقيقة وطنه وحقيقة انتمائه وإن الانتماء هو انتماء لوطن واحد وجماعة واحدة ونظام اجتماعي واحد ارتضاه الآباء والأجداد، حيث احتاجوا لذلك واستمر هذا الانتماء ويجب أن يستمر كذلك، والسبب في ذلك يعود إلى أن تعدد الانتماءات داخل انتماء واحد في ظاهره محمود حينما يرجع الجميع إلى الأصل الذي اتفق عليه الآباء والأجداد ووحدوا البلاد عليه، وفي باطنه مذموم حيث تعدد الانتماءات والمرجعيات وإثارة العصبيات والنعرات مما يعيدنا لتاريخ غابر، لا أظن أن أحدا يريد الرجوع إليه مهما كانت الظروف.
ويرى د . العقيل أن التعامل مع الاستراتيجيات القصيرة والمتوسطة والطويلة، التي ترسم شكل وقوة واستمرار وتوازن وأمن وتآلف وتقارب، المجموعات الاجتماعية بكافة اختلافاتها، يجب أن تكون واقعية في طرحها قوية في عرضها مستمرة في أدائها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.