أطلق خادم الحرمين الشريفين دعوته الرامية إلى أهمية تجاوز دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية «مرحلة التعاون إلى الاتحاد» في اجتماع قمة هذه الدول بدورتها ( 32) في الرياض (الاثنين الثلاثاء 24 25/1/1433ه الموافق 19 20 /12/2011م)، إذ قوبلت الدعوة بتبني القادة المجتمعين لها، ووجهوا المجلس الوزاري بتشكيل هيئة ممثلة للدول الأعضاء مهمتها دراسة مقترح الدعوة على ضوء ما عبر عنه القادة من آراء تجاهها، على أن تقدم الهيئة تقريرا أوليا للمجلس الوزاري في مارس 2012م لرفعه للقادة، ومن ثم ترفع الهيئة توصياتها النهائية بشأن الدعوة إلى قمة التشاور الرابعة عشرة القادمة. وما من شك أن تنفيذ هذه الدعوة إلى واقع ملموس يحتاج للدعم القوي والنوايا المخلصة ووحدة الكلمة والرغبة الصادقة لتقريب مواطني دول المجلس (الخليجيين) لبعض، ولم شملهم وجمعهم في كيان اتحادي يضمهم ويوحدهم، وبذلك تتحقق طموحاتهم بترابط وتكاتف أكثر من أجل خدمة مصالحهم، خاصة بوجود قواسم مشتركة بينهم: في الجغرافيا والتاريخ والثقافة والأصول المشتركة. فالاتحاد يؤيده الواقع وتفرضه المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية المشتركة للجميع. هذا إلى جانب أن دول المجلس تمثل عمقا استراتيجيا لبعض، وقد تبرهن ذلك، بعد أن احتل جيش صدام حسين الكويت، وانتقلت حكومتها للطائف في أقصى غرب المملكة. والاتحاد يتطلب تنظيما، وعملا دؤوبا، وإصرارا حاسما نحو تحقيقه من أجل حياة أفضل للخليجيين، فعالم اليوم هو عالم التكتلات الكبيرة والاتحاد والتوحد، والكيانات الصغيرة معرضة دائما للخطر، وكما قال الشاعر: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا *** وإذا افترقن تكسرت آحادا وقد وجدت الدعوة قبولا من الخليجيين كونها إيجابية في كل المقاييس، وتنفيذها مهم لصالح الجميع. ويمكن البدء بالاتحاد «الكونفدرالي» ثم بعد فترة تمهيدية كافية يتم الانتقال للاتحاد «الفدرالي». والتكتل في أي نوع من أنواع الاتحاد تفرضه المصالح الاستراتيجية التي تدعو للتكامل في كيان واحد ليمكن التعامل بفاعلية مع الظروف الدولية والإقليمية المحيطة، في ظل التهديدات والمناورات الإيرانية واستعراضاتها لعضلاتها العسكرية،كما في مضيق هرمز، مؤخرا، وما تمثله إمكانية قدرات إيران النووية مستقبلا من أخطار على منطقة الخليج. وحري بدعوة خادم الحرمين الشريفين، «للانتقال من التعاون للاتحاد»، أن لا تمر مرور الكرام، وتحظى فقط بتصريحات تتسم بالنوايا الحسنة والدبلجات الخطابية. فالاتحاد يتطلب تضحية وتنازلا فعليا ومشتركا عن جزء من السيادة الوطنية لكل دولة مرشحة لعضويته في سبيل إيجاد كيان اتحادي قوي لفائدة الجميع، وهذا في المحصلة النهائية أفضل للدول الأعضاء ومواطنيها في الاتحاد. فالأمل أن لا يقف مفهوم السيادة حجر عثرة أمام ولادة كيان قوي وكبير ينعم بخيره جميع مواطني الدول الأعضاء، الحاليين والأجيال القادمة. ولنتذكر أن مفهوم السيادة، مثله مثل مفهوم القومية العنصرية، هما نتاج أوروبي، أوجدتهما ظروف خاصة بالدول الأوروبية الغربية وزرعتهما الدول الأوروبية الاستعمارية في العالم العربي، بعد تقسيمه إلى دويلات، لكي يقفا سدا منيعا ضد توحيدها (ويصدق مثال سلبيات السيادة على وضع الدول العربية في الجامعة العربية). وتمسك أية دولة بكامل سيادتها أمام شقيقاتها الدول الخليجية، التي يتكون منها الاتحاد، هو ما يريده ويغذيه عدوهم، وقد يؤدي هذا التمسك، في نهاية المطاف، إلى اتحاد ضعيف لا يرقى لمستوى طموحات الخليجيين، أو قد يؤدي إلى انعدام السيادة مستقبلا من قبل أعداء الجميع، والله الموفق.