جاءت دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله- في اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد الأسبوع الماضي في الرياض للانتقال من صيغة التعاون إلى الإتحاد جاءت في وقتها إذ يستشرف بها -رعاه الله- المستقبل المضيء لشعوب دول المجلس في ظل التحديات والتكتلات التي تواجه المنطقة . وكعادة مليكنا ..يسجل المبادرات التي تستلهم الرؤى في مستقبل الأمة إذ يقول ((لقد علمنا التاريخ وعلمتنا التجارب أن لا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا)) وحتى ندرك أهمية هذه المبادرة الكريمة لابد لنا أن نستقرىء التاريخ ونعود إلى حقبة تأسيس المجلس وما مّر به : •فمجلس دول التعاون الخليجي الذي تأسس في 25 مايو 1981م ، مضى على تأسيسه 32عاماً يفترض أن تكون كفيلة بنضج تجربته وإنجاز أهدافه عبر ثلاثة عقود •وإذا ما حللنا الأهداف التي وضعها قادته يوم تأسيسه نجد أنها تبلور مفهوم الإنشاء لهذه المنظمة الإقليمية العربية ويأتي في مقدمتها تحقيق التنسيق والتكامل بين الدول الأعضاء/ وضع أنظمة مماثلة في مختلف الميادين /دفع عجلة التقدم العلمي والثقافي... فهل تحققت تلك الأهداف وآتت ثمارها في دول وشعوب المنطقة؟ •لاشك أن ثمة جهودا مخلصة من قادة المجلس للاضطلاع والنهوض بمسؤوليات هذا الكيان فرضتها المواقف والظروف التي أحاطت بدول المنطقة منذ حرب الخليج الأولى والثانية ...مروراً بالاختناقات الاقتصادية وبعض الاختلافات وأخيراً الاطماع السياسية والإقليمية لايران وعبثها في تأجيج نار الفتنة الطائفية في البحرين و القطيف..وغير ذلك من التحديات التي وقف أمامها قادة دول الخليج بكل حزم لتأكيد تعاونهم في الدفاع عن أي دولة فيه على المستوى السياسي والعسكري . •وعلى المستوى الاقتصادي كانت تجربة دول المجلس هي في توحيد الأنظمة والإجراءات الجمركية عام 1992م والتي تمخضت فيما بعد عن إقرار النظام الموحد للجمارك لدول المجلس عام 1999م تمهيداً لتطبيقه كاملاً مابين عام 2000- 2002م •وفي مقارنة عاجلة مع الاتحاد الأوربي نجد أن الاتحاد قد بدأ في أوربا بعد إنهاء الحروب الدموية المتكررة بين الجيران والتي بلغت أوجها في الحرب العالمية الثانية فبدأ التطبيق عام 1950 بدول محدودة ثم توالى انضمام باقي الدول ولاشك أن انتقال مركز الثقل السياسي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أفول شمس دول أوربا العظمى منها والاستعمارية والتوسعية وظهور جيل 68 بعد مظاهرة طلاب باريس ..قد أوجد كل ذلك الحاجة الأوربية المتزايدة لتطوير العلاقات بين دول المجموعة والتي ابتدأت بمنظمة الفحم والحديد الأوربية عام (1951 ) ليتم تطوير التعاون بين الدول الموقعة عليها فيما بعد..ثم منظمة الطاقة الذرية عام 1957م •حتى بدأت تأثيرات البرلمان الأوربي في شؤون الاتحاد عام 1979م... ومع انهيار الشيوعية عبر أوروبا الوسطى والشرقية أصبح الأوربيون أكثر قرباً..ومن ثم اكتملت السوق الأوربية الموحدة ب (الحريات الأربع )حركة البضائع ، والأفراد، والخدمات ، الأموال عام1993م •ومع 1995م اكتسب الاتحاد الأوربي 3 دول إضافية وأطلق اسم قرية صغيرة في (لوكسمبورج) هي (شنجن) على اتفاقية تسمح تدريجياً للأفراد بالتنقل بدون فحص جواز السفر على الحدود وبالتالي منح تأشيرة أخذت ذلك المسمى – لكل من يريد زيارة أوربا أو التنقل في دولها. •ومن ثم.. تمّ اختيار الدول الأعضاء للعملة الموحدة (اليورو)1998م ليتم تثبيت أسعار الصرف والتحويل لعملات المجموعة إليه عام 1999م حتى اعتماده لجميع منظومة دول الاتحاد عام 1999م ومن ثم وقف مفعول العملات الوطنية الأخرى عام2002م الأمر الذي يترجم الخطوات العملية التي أرادتها المجموعة الأوربية لمواجهة التكتلات من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية ونمور آسيا . •والتجربة الأوربية خير مثال على أهمية المضي قدماً في تحقيق الأهداف مهما اختلفت الظروف . •لذلك جاءت مبادرة الملك عبدالله في محلها وتوقيتها ..وكان لابد أن تتمخض تجربة مجلس دول التعاون الخليجي عن مبادرة للإتحاد والاندماج خاصة وأن كل المقومات والعوامل تتيح لها ذلك نظراً للاشتراك في وحدة الدين واللغة والثقافات والتحديات والمصير..وقد حان الوقت فعلاً للمزيد من الخطوات العملية والإنجازات التي تحقق طموحات شعوب المنطقة في رؤية مستقبلية مشتركة.وليس ذلك على قيادات المجلس ببعيد..فالعالم اليوم هو عالم الإنجاز والهدف والرؤية الإستراتيجية الموحدة والتكتلات ..ولابد من مواجهة المتغيرات والتحديات والأطماع الدولية والإقليمية التي تحيط بدول منطقتنا.. لذلك نتفاءل أن يسفر ما تبناّه القادة للمبادرة عن خطوات تنفيذية من قبل الهيئة المشكلة للدراسة.. • دوحة الشعر .. تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا