كانت السياسة الصهيونية الماكرة، قد نسجت من خيالها الأسود خططاً شيطانية للسيطرة على العالم، وعلى رأس هذه السياسة (فرِّق تَسُد). وعلى الرغم من أنها أصبحت سياسة مكشوفة لكل صاحب عقل وقلب وعينين، وعلى الرغم من أننا كعرب حفظناها وندرك آثارها المدمرة على الفرد والمجتمع والعالم أجمع، على الرغم من ذلك فقد وقعنا في حبائلها كالسكارى المسحورين، وشرعنا ننفذ هذه المسرحية السياسية الماكرة بكل أدوارها وشخوصها، حتى فزنا بأعظم الكؤوس العالمية، وحصدنا الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية. من كان يصدِّق أن الإخوة الأشقاء في فلسطين الذين اكتووا بنار هذه السياسة، وذاقوا مرارتها، وهم أوعى الناس بها وبمداخلها ومخارجها قد وقعوا في الفخ وتسابقوا إلى تنفيذها بكل مهارة، لمدة أربع سنوات متتالية سالت فيها دماء الأُخوّة الطاهرة في شوارع غزة والضفة الغربية ومختلف المدن الفلسطينية، وتيتم فيها الأطفال، وترملت فيها النساء، وذبح فيها الشيوخ، وفي ظل هذا التطاحن انشغل العدو في زيادة مساحة الاستيطان، ومد الجدار العازل. ولكن نحمد الله تعالى على أن أزال الغشاوة عن عيون الإخوة، وكشف عنهم الغُمّة، وأصبحت هذه الفُرقة طريقاً إلى الوحدة، ودرساً عملياً للأجيال القادمة، وتذكيراً بأن دموع الإخوة كانت تفيض حسرة وندامة على تلك الدماء التي فاضت بسيوف الفُرقة، وهذا المعنى يصوّره البحتري في قوله: إِذا احْتَرَبَتْ يَوْماً ففاضتْ دِماؤُها تذكَّرتِ القُربى ففاضَتْ دُمُوعُها الحمد لله على انتصار الأُخوّة الإيمانية التي كانت صفعة شرف على وجه اليهود، فرأينا على شاشات الفضائيات رؤساءهم وهم يهرولون في طرقات محافلهم كالذي يتخبطه الشيطان من المس، رأيناهم والذعر يدور في أحداقهم، وفحيح الحقد يُسمع من تهديداتهم بإفشال هذا الصلح الذي أصابهم في مقتل، ففقدوا عقولهم وأخذوا يديرون أسطوانة الإرهاب المبحوحة التي ما عادت تطرب أحداً سواهم وحليفتهم أمريكا، وهذا دليل على القهر والتخبط بعد سماعهم لحن المصالحة العذب. دعونا نُهلِّل ونُكبِّر لهذه المصالحة التي غيرت وجه السياسة العالمية، وجاءت متناغمة مع نداءات الحرية والكرامة التي تملأ ساحات كثير من البلدان العربية اليوم، دعونا نهنئ الإخوة الفلسطينيين على هذه السياسة الحكيمة التي رمت بسياسة اليهود (فَرِّق تَسُد) في مزبلة التاريخ السياسي، ورفعت عوضاً عنها راية (اتَّحِد تَسُد). نهنئهم ونقول لهم ما قاله الشاعر: يا خُطى الإصلاح والبرِّ رَعَى قصدَك الرحمنُ يا خير خُطى ونفى عنك الذي يُحبطُ مِنْ خُيلاءٍ ووقاكِ الشَّطَطا إن الفرح بهذه الوحدة لن يتم إلا إذا حافظنا عليها، وتنبهنا إلى أن عصابة يهود ستغدو أشد وأشرس منها بالأمس، لقد أرعبت هذه المصالحة الكيان الصهيوني وقضَّت مضجعه، بعد أن كان ينام هانئ البال قرير العين على فراش الفُرقة الوثير، لذا ستراه بعد أن يفيق من صدمته، وقد شمّر سواعد المكر ليُفتِّش ويُنقِّب في أجندته الخبيثة عن خطط شيطانية لإبقاء الفُرقة ثابتة في رحم الأمة الإسلامية، هذه الأمة التي اكتشفت أن الوحدة هي الدواء الكفيل بإجهاض هذا الجنين المشوّه غير المرغوب فيه، الذي أنهك جسد الأمة، وكاد يؤدِّي إلى موتها لولا رحمة الله. هذا الجنين الذي لم ينمُ – والحمد لله – بالقدر الذي يوجب الصلاة عليه، فدُفن كقطعة دمٍ فاسدة. ليت عالمنا العربي يأخذ درساً من هذه المصالحة، فنُسارع –كدول مجلس تعاون خليجي- إلى اتخاذ خطوات جريئة وسريعة لإقامة (اتحاد كونفيدرالي خليجي)، مثل الدول الأوروبية التي على الرغم من خلافاتها الممتدة والمتنوعة، فإنها قد أدركت ووعت قول الشاعر بلسانٍ عربي مبين: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا فرمت بخلافاتها وراء ظهرها، ودأبت في تأسيس الاتحاد الأوروبي، وقامت الدول الغنية -مثل ألمانيا- بضخ المليارات لتطوير إسبانيا وغيرها، لتصبح مؤهلة للانخراط في السوق الأوروبية المشتركة، فهلا وعينا الدرس..؟! وأخيراً أوصي الإخوة الفلسطينيين في فتح وحماس وكل الفصائل بأن يثبتوا على عهدهم هذا، فإن هم نكثوه –لا سمح الله- فإن الأجيال والتاريخ لن يغفروا لهم، ولعلني أختم مقالي بقول الشاعر محمود غنيم: ضُمُّوا الصفوف ووحدوا أشتاتكم في الوحدة النصر المبينُ مؤزَّرا قالوا: الوباء فقلت: إنَّ القدسَ قد نزل اليهودُ به فكانوا أخطرا لم يتركوا للمسجد الأقصى ولا للعُربِ فيه منسكاً أو مَشْعَرا ... إلخ القصيدة. ص. ب: 698 المدينةالمنورة 4131 [email protected]