وسط تصاعد الاهتمام الدولي بلبنان، تشكّلت خلال الأيام الأخيرة ملامح مسار جديد يجمع بين محاولة احتواء السلاح خارج مؤسسات الدولة من جهة، والانخراط الجاد في جهود إعادة الإعمار والإصلاح من جهة أخرى. ففي حين أكد رئيس الجمهورية جوزيف عون تمسّكه بالحوار كوسيلة لسحب سلاح حزب الله، كثّف رئيس الحكومة نواف سلام تحركاته مع شركاء دوليين ومحليين، في سياق دعم اقتصادي وإنمائي واسع، لا سيما في الجنوباللبناني، حيث بدأت تظهر بوادر عودة الحياة الطبيعية. أوضح الرئيس جوزيف عون في حوار صحافي، أمس (الثلاثاء)، أن "حزب الله ليس في وارد الانجرار إلى حرب جديدة"، مشددًا على أن العام 2025 يجب أن يكون عام حصر السلاح بيد الدولة. وأكد أن أي صيغة لاستيعاب عناصر الحزب يجب أن تكون تحت سقف الجيش اللبناني، مشيرًا إلى إمكانية التحاق عناصر الحزب بالمؤسسة العسكرية بعد الخضوع لدورات تأهيلية، كما حصل مع عناصر من أحزاب سابقة بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). وأكد عون اتفاقه الكامل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري حول حصرية السلاح، مشيرًا إلى أن "الحوار الثنائي بين رئاسة الجمهورية وحزب الله هو الطريق الأمثل للتنفيذ"، كما شدد على رفضه لأي مواجهة أهلية، قائلًا: "من ينتقدني لأني أريد سحب سلاح الحزب بالحوار، فليخبرني ماذا سيفعل لو كان مكاني؟". ولفت إلى أن الجيش يقوم بمهامه جنوب الليطاني وشماله دون اعتراض، مع خطط لتطويع 10 آلاف جندي، منهم 4500 قريبًا إلى الجنوب. في موازاة ذلك، التقى رئيس الحكومة نواف سلام المدير الإقليمي لدائرة الشّرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه، الثلاثاء، في إطار التحضير لاجتماعات الربيع في واشنطن، حيث تم بحث آليات دعم لبنان اقتصاديًا، وإعداد طاولة مستديرة لجمع التمويل اللازم لإعادة إعمار البنية التحتية في المناطق المتضررة. اللقاء تناول أيضًا إمكانات مساهمة البنك الدولي في خطط إصلاحية مالية وإدارية طويلة الأمد في لبنان. وتعزيزًا للمسار الإنمائي، استقبل سلام وفدًا من مجلس الجنوب برئاسة هاشم حيدر، الذي أطلعه على سير عمليات الإغاثة بعد وقف إطلاق النار، حيث تم إنجاز نحو 80 % من إزالة الردم ومسح الأضرار في المنازل، إضافة إلى ترميم 125 مدرسة رسمية، والعمل جارٍ على استكمال تأهيل 45 أخرى. كما يجري ترميم نحو 80 مرفقًا عامًا، تشمل مستشفيات ومراكز دفاع مدني وسرايات، في خطوة تهدف إلى تسريع عودة الأهالي إلى قراهم واستئناف الحياة الطبيعية في الجنوب. وتشير هذه التحركات المتزامنة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة إلى مسعى جاد لتثبيت الاستقرار الداخلي والانطلاق نحو مرحلة إصلاح شاملة.