يوم عرفة.. نقطة مركزية في حياة المسلمين كل عام، يوم تتنزل فيه الرحمات، وترتفع الأيادي فيه بالدعوات، وتبتل الوجوه بالعبرات، ويتذلل فيه المسلم إلى خالقه سبحانه وتعالى، مقرا بالعبودية، مفتخرا بها، مسلما لله، يسأله من فضله، ويطلب الغفران عن جميع ما فات، والحفظ والتأمين فيما هو آت، وأن يجعل الله له نصيبا من جميع الخيرات، فالمسلمون على مختلف مشاربهم وطبقاتهم الاجتماعية وقدراتهم المادية تجدهم متجردين فيه قاصدين رضا الله، متعرضين لنفحاته استشعارا لعظم الموقف. يوم خصه الله سبحانه وتعالى بفضائل جمة؛ منها: كثرة عتقه لعباده من النار، ويباهي بالحجاج ملائكته ويشملهم بمغفرته، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟) رواه مسلم، وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثا غبرا ضاجين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي، فلم ير يوما أكثر عتقا من النار، من يوم عرفة)، رواه ابن خزيمة وابن حبان والبزار والبيهقي. يوم أكمل الله فيه للأمة دين الإسلام وأتم عليها نعمته، فعن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، قال عمر: «قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم جمعة» صحيح البخاري. يوم يؤدى فيه ركن هام من أركان الحج لا يتم إلا به، فعن عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي. يوم أقسم الله به في سورة البروج: (والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة)، قال: (وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له ولا يستعيذ من شيء إلا أعاذه الله منه)، سنن الترمذي. وصيام هذا اليوم لغير الحاج من الأعمال المستحبة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده)، رواه مسلم، والدعاء فيه أفضل من غيره لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، رواه الترمذي. نسأل الله سبحانه وتعالى في هذا اليوم الفضيل أن نكتب من السعداء العتقاء المغفور لهم، وأن نكون ممن يحشرون تحت لواء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، الفائزين برضا الله وشفاعة حبيبه سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله، خير خلقه عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وعلى آله وصحابته الكرام البررة أجمعين.