متخصصون في شراء البضائع التالفة وإعادة إصلاحها ومن ثم طرحها للبيع مرة أخرى.. مجال رزقهم يعتمد على الصبر والانتظار، وأيضا الحظ الذي يصيب معهم مرات وقد يخفق مرات عدة.. وبين الشراء والبيع مسافة زمنية ربما تقصر أو تطول.. وهي فترة يتخللها تعب طويل وانتظار أطول، ومع ذلك لا يجد الملل إلى نفوسهم سبيلا، بل على العكس رغم الزيوت وحرارة الجو وحالة الانتظار والترقب تلك تجدهم دائما في حالة ابتسام و ترحاب جميل.. إنهم المتعاملون مع المولدات الكهربائية المستعملة الكبيرة منها والصغيرة.. فماذا يقولون عن نشاطاهم وأيضا همومهم وشجونهم.. دعونا نتعرف على أمورهم وأحوالهم عن قرب. قلب نابض وكانت البداية مع أحمد سالم مبارك (50 عاما) الذي أشار إلى أن دخول المجال لم يكن وليد صدفة أو مهنة عابرة، وإنما كان الموقف بالنسبة له عبارة عن حكاية، حكاية تمتد جذورها لسنوات خلت من عمره حيث قال «كانت الإلكترونيات والساعات تحديدا تستحوذ على اهتمامي وكنت مغرما بهذين المجالين لدرجة العشق، وحدث أن تعطل (مولد الماء) في منزل الوالدة، وعندها قررت إصلاح المولد بدلا من المهندس الذي تأخر في الحضور، فأحضرت الأدوات وبدأت في التعامل مع ذلك المولد حتى أتممت إصلاحه وبعدما قمت بشراء قطع الغيار المناسبة له، ومنذ ذلك الوقت دخلت المولدات ضمن دائرة اهتمامي، ومن هنا بدأت في المداومة على حضور حراج العصر وشراء مولد أو اثنين وخصوصا مولدات الكهرباء الصغيرة التالفة ثم أعيد إصلاحها وبصورة صادقة وأمينة بحيث أنني أتقي الله في وضع قطع الغيار الأصلية بها وليس التقليد ثم أقوم ببيعه». وأضاف مبارك: رويدا رويدا تطورت تجارة المولدات الكهربائية في داخلي حتى تمكنت من تدشين محل صغيرا وأصبحت أتعامل مع المولدات الكبيرة وصيانتها وعبر السنين تكونت لدى خبرة ودراية كبيرة حتى بات يستعان بي من وقت لآخر من أجل إصلاح مولد كهربائي كبير في بعض القرى والاستراحات. وزاد: التعامل مع مثل هذه المولدات لا يعني أبدا أنها في كل مرة تحقق مكسبا، فأحيانا نشتري مولدا مستعملا لنكتشف أن مجرد التفكير بإصلاحه يتطلب تكلفة عالية جدا ما يكبدنا خسائر مالية كبيرة. ويؤكد مبارك معرفته بأعطال المولدات بمجرد سماع نبضات قلبها أثناء العمل، وقال: من سماعي للصوت أستطيع تحديد نوعية القطعة المرشحة للتلف حتى قبل تعطلها تماما، فمثلما يستمع الطبيب لنبضات قلب الإنسان نتسمع نحن لنبضات قلب المولدات. وأردف: عملنا يعتمد الثقة لأن الزبون يشتري المولد الكهربائي المعاد إصلاحه وهو لا يدري نوعية القطع الذي وضعت داخله ما لم يكن المهندس الذي تولى عملية الإصلاح يخاف الله ويحرص على ألا يؤكل أولاده قرشا بالغش أو الحرام ولهذا دائما ما أكرر على العمال بضرورة مخافة الله واتقاء غش الناس أو خداعهم. مهمتنا صعبة من جهته، يروي محمد إبراهيم الشريف (24 عاما) وهو عامل في محل مولدات كهربائية تجربته، قائلا: القضية كلها لا تخرج عندي عن كونها مصدرا جيدا من مصادر الرزق، أما لماذا التخصص في المولدات الكهربائية، فهذا يعود لحبي وإجادتي (الفك والربط) وأيضا لميلي للتعامل مع القطع والمعدات، وأضاف: زاولت العديد من المهن ولم أجد راحتي النفسية إلا من خلال التعامل مع هذه المولدات التي نتولى تفكيكها أولا، ثم يتولى صاحب المحل أو المهندس مهمة إزالة القطع التالفة واستبدالها بقطع جديدة، والمهمة عموما ليست بتلك البساطة وهي صعبة تستوجب التركيز المضاعف، ورغم أنني أسكن بعيدا عن موقع العمل ولا أملك سيارة، لذلك أدفع يوميا قيمة المشوار من أجل الحضور إلى هنا لأنني وجدت نفسي في هذه المهمة مهمة (فك) المولدات وتجهيزها للإصلاح. وخلص إلى القول «اكتسبت خبرة ممتازة من خلال تعاملي اليومي مع صاحب المحل أو كما نطلق عليه هنا بالمهندس والذي لم يبخل علينا بأية معلومة ولا يمارس عمله ما لم نقف جميعا بجواره حتى نستفيد كما يردد». الصبر والتحمل ولا يختلف سرد عبد الله محمد إبراهيم كثيرا عن رواية (الشريف)، وقال: أعمل في هذا المجال منذ 15 عاما، وبداية دخولي المجال كان سببه تعطل المولد الكهربائي في إحدى الاستراحات حيث كنت أعمل ولم يكن صاحب الاستراحة موجودا فجربت حظي في محاولة إصلاحه ووجدت أن المهمة سهلة وليست بالتعقيد الذي يفكر فيه الناس، بعدها أصبحت أتولى مهمة إصلاح أي مولد لدى أصحاب الاستراحات المجاورة ووجدت من جراء ذلك رزقا طيبا جعلني أفكر بترك العمل في الاستراحات كحارس والتحول إلى مهندس أو على الأقل مساعدا لمهندس في مجال المولدات، عقبها قررت الانتقال والعمل في أحد المحال المخصصة في شراء المولدات الكهربائية التالفة وإعادة إصلاحها، وأيضا شراء المولدات التي يستغني عنها أصحابها لتوافر الكهرباء لديهم. وأضاف: أضافت لي هذه المهنة الكثير ولعل أكبر فائدة حققتها من التعامل مع المولدات الكهربائية هذه هو الصبر والتحمل، لأن عملية الإصلاح تتطلب صبرا وحلما كبيرا، وعملنا يعتمد على فك المولدات وإعادة تركيبها مرة أخرى، فأحيانا تنسى قطعة أو مسمارا في قلب المولد فتضطر إلى إعادة فكه من جديد، وبعد مرور سنوات على عملي هذا لا أنوي تركه مهما كان العرض مغريا لأنني أصبحت ماهرا في هذا العمل وبت أتقن كل أسراره ولن أعجز عن أصلاح أي مولد مهما كان نوعه. مولدات هشة أما الوضع بالنسبة لمقصود علي سرهام (40 عاما) فالأمر يتعلق بدراسة وتخصص، حيث قال: وضعي يختلف عن الآخرين في هذا المجال، فأنا لست ممن امتهن هذا العمل بصفته العمل الذي توافر أمامه، بل أخذته عن تخصص. وأنا متخصص في المولدات الكهربائية التقليدية منها أو المتطورة والتي تعتمد نظام الكمبيوتر، وعملت متدربا لعدة سنوات حتى أصبحت قادرا على التعامل معها وحدي، وفي اعتقادي النوعيات المتطورة تبدو أكثر تعقيدا، أما المولدات التي تعتمد على الميكانيكا فهذه أمرها سهل جدا ونوعية الأعطال بها غالبا ما تكون معروفة لكنها مع ذلك تحتاج إلى خبرة و مهارة. وأضاف: المولدات القديمة هي الأكثر تحملا والأقل أعطالا، وبالمقابل فإن المولدات الحديثة أكثر عرضة للأعطال باعتبارها قابلة للتلف بسرعة وخاصة تلك النوعيات التي تستورد من دول ليست مشهورة بتصدير مثل هذه المكائن، ونحن نعرف النوعيات الممتازة من الرديئة، ونحاول تجنب النوعيات الرديئة رغم رخص ثمنها رخص ثمنها ولا نسعى لشرائها حفاظا على عملائنا الذين يثقون في محلنا. وأرجع سرهام سبب الكميات الكبيرة من المولدات الكهربائية في المحل إلى بيع المواطنين ما لديهم من مولدات بعد امتداد خدمة الكهرباء لكثير من القرى والهجر واستغنائهم عن خدماتها.