قبل أن تبدأ بقراءة الموضوع اطلب منك تكرما طلبين الأول أن تتجنب إجبار نفسك على قراءة الموضوع مرة واحدة إذا شعرت بالإجهاد بل قسمه إلى أجزاء فما وضع إلا لأجلك فلا تجعله مصدرا لتوترك -التقيت في أول أيام العيد بشاب في منتصف عقده الثاني من عمره فقال أعياد الماضي أفضل بكثير من أعيادنا هذه الأيام !! -وأخرى تقول : لم تفارقني ذكرياتي معه رغم تقادم العهد والزمن .. استحضرها بغاية المتعة .. في لحظاتها كنت أشعر بأني أتعس إنسانة على وجه الأرض .. أما الآن فأجد أن كل ما فيها جميل يوفر لي السعادة في عالمي الضيق المظلم.. -وثالثة تؤكد : لقد أوقفت حياتي وتوقفت جميع متعها في تلك اللحظة التي فقدت فيها ابني البكر .. -ورابع يوضح : عندما كنت صغيرا كنت أنظر للحياة ببواباتها المضيئة ، انتظر تلك اللحظات التي سأكبر فيها وأحقق الانجازات والنجاحات .. لدي آمال و أحلام وطموحات .. أتمنى أن تطوى الأيام لأصل إلى هناك .. وعندما كبرت وأصبحت رجلا يافعا أجد الحنين والشوق يأسرني للعودة إلى أيام الطفولة بكل ما فيها .. أمثلة لحالات يمر بها كثير من الناس في هذه الحياة في إدارته لها ولأفكاره ومشاعره وما يمر به من تجارب ومواقف . نتباين في تعاملنا ما يمر وما مر بنا من مواقف وتجارب وما صاحبها من مشاعر وانفعالات والأفكار والبناء المعرفي والخبري المستخلص منها إيجابا وسلبا بأشكال ومستويات مختلفة .. هناك حالات أشد تعقيدا مما ذكر وقد تصل إلى مرحلة الاضطراب أو المرض في تعاملها مع الماضي فقد تثبت حياتها على مرحلة معينة أو تنكص إليها بعد مرورها إلى مرحلة أخرى وتجاوزها لمراحل لاحقة لسبب ولآخر. وقد يعمد البعض بوعي وبلا وعي منه إلى صبغ مراحل حياته الحالية والقادمة بلون السواد ورغم الأنوار المتحققة في المواقف الآنية والفرص الحاضرة والمؤملة إلا أن الظلام اللغة والآلية التي يتعامل فيها مع كل مواقف حياته .. لنسلط الضوء في البداية على كيفية تشكل الأساس الخبري والمعرفي والفكري لأي منا بالنموذج المبسط التالي : من أبسط الأمثلة التي توضح عملية الإدراك وكيفية معالجتنا للمواقف ما يلي : رغبت في إدخال السرور والسعادة في عملك لمجموعة من زملائك فأحضرت زهرة حمراء جميلة برائحة زكية لكل واحد منهم . قال الأول : لا أحب اللون الأحمر يسبب لي التوتر والاضطراب ، وكأنك ترغب في إثارة عصبيتي . قال الثاني : كم تضررت من الأزهار بما تحمله من شوك لا يدركه إلا مجرب ، أعذرني لدي ما يكيفيني . قال الثالث : هذا الذي قدرت عليه !! ليتك أحضرت لنا فطورا أو هدية قيمة نتذكرك بها .. قال الرابع : شكرا على هذه الهدية .. تذكرني بإنسان عزيز علي .. قال الخامس : أجمل هدية في أجمل صباح من أجمل صديق .. لقد كلفت على نفسك بارك الله فيك وأسعدك في الدارين .. أرجو أن تسجل تفاعلك مع كل شخص على أنه حالة منفصلة وحدد آلية التعامل والمعالجة والسلوك الذي سيصدر منك مع كل واحد والمخزون الخبري بما يحمله من أفكار ومشاعر ومعلومات الذي ستحفظه في ذاكرتك متضمنا : - الأسباب المؤثرة وعلى من تضع المسؤولية في حالات الفرح والحزن والألم والسعادة والتعاسة ؟ - أين مجال تركيزك : هل قمت بعمل نبيل وهذا بحد ذاته انجاز وهدف ؟ -هل ركزت على الندم والوعد بعدم القيام بمثل هذا العمل لسبب يتعلق بك أو بالشخص الآخر ؟ -هل آلمك جدا ما حدث أو أسعدك " بناء على ما جال في صدرك ؟ أو نتيجة لردة الفعل من الآخر "؟ - ما الآثار والنتائج المستخلصة من الموقف ؟ وما القرارات التي تتخذها أو ستتخذها مستقبلا؟.. بعد مدة من الزمن ( خمس سنوات ، عشر سنوات ، عشرون سنة ) تذكرت ذلك الموقف أو طلب منك تقديم هدية لزميل لمناسبة ما ، أو تقدم أحدهم واستشارك لفعل مماثل .. صف لنا الوضع وما الذي ستستحضره لتلك الحادثة .. ( تذكر أنه مثال بسيط لآلية عمل الأفكار والمشاعر والذكريات وغيرها من غابات وأشجار وأشواك في مخزون شخصيتك لأحداث الماضي ) إليك النموذج التالي لعله يساعد في توضيح آلية التعامل مع الأفكار الماضية والمخزون الخبري والذكريات المرصودة في عالم الشخصية والذات .. احرص على ألا يكون ماضيك ألد أعداء نجاحك .. يعيد جميع انجازاتك وتميزك الممكن في حاضرك ومستقبلك لإخفاق أنت تشارك فيه .. اجعل جميع ما مر بك في الماضي : -إنارات رائعة لطريق سيكون بإذن الله كذلك إذا حرصت واعتقدت أنك بتوفيق الله قادر على صنعه . -مصادر معرفة وتطوير لذاتك لعمل حاضر وقادم أفضل بإذن الله . -مجالا واسعا لشكر الله عز وجل أن أتاح لك الفرصة وأبقاك لهذه اللحظة لتقوم بعمل أجود لحياة قادمة أدوم . -بوابة لتوفير الوقت والجهد في البحث عن حلول جديدة ، وبدائل جديدة لم تخطر ببالك سابقا ، أو أنك استبعدتها في زمن ماض لعدم صلاحيتها أو عدم تناسبها مع الظروف في ذلك الوقت و التي تغيرت في حاضرك. -نافذة لاستحضار روائع الزمن الماضي ، وتوظيف إيجابياته وسلبياته في تعاملاتك الحالية والقادمة . -إعدادا للجزء الأكثر أهمية في حياتك ، وتذكر أن أهم مراحل حياتك لم تأت بعد .. إنها خاتمتك التي تحدد مصيرك في حياتك الأبدية في الآخرة . أخي وأختي : سعادتنا وسرورنا ( وشقاوتنا وتعاستنا وحزننا ) لا ترتبط بعدد المواقف والأحداث السارة السعيدة أو التعيسة السيئة الأليمة إنما ترتبط أساسا بنوعية تعاملنا معها مهما كانت ، ومدى استفادتنا منها .. وخير من ذلك كله ضع الحديث الشريف التالي نبراسا تستضيء به في تعاملك مع كل أوقاتك وأحوالك : عنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " ( رواه مسلم ، رقم الحديث 2999 ) . الطلب الثاني وبعد أن أنهيت الموضوع لا تحرمني ووالدي يرحمهما الله من دعائك كل عام والجميع بخير