تشيع الخرافة في المجتمعات العربية لدرجة تبعث على السخرية والاستغراب، وليس بعيدا عن ذلك ما أثاره الداعية الإسلامي المصري محمد الزغبي من جدل واسع بعد فتوى أطلقها عبر حوار تلفزيوني، أكد فيها على جواز أكل لحم الجان، مستندا على أن الإبل خلقت من الجان، وعليه فإنه يجوز أكلها حسب الزغبي إن تلبست على أشكال الحيوانات المباح أكلها. وأكد الداعية المصري في الحديث ذاته، أن بعض أهل العلم قد ذهبوا معه في أن الإبل خلقت من جان، وعلل الزغبي فتواه الغريبة بجواز أكل الإبل «الجان»؛ بأن أصل الخلقة لا تعتمد إطلاقا على الحكم، فالجان الحقيقي لا يرى، كما قال تعالى: «إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم»، وأثارت فتوى الزغبي تساؤلات عدة بين أوساط المسلمين عن وجود دليل في الكتاب والسنة، يؤكد ما ذهب إليه يبين جواز أو حرمة أكل لحم الجان؟ «عكاظ» ناقشت فتوى الداعية المصري مع عدد من العلماء والمختصين والباحثين. في البداية، قال الدكتور عبد المحسن العبيكان المستشار في الديوان الملكي إن الرسول صلى الله عليه وسلم، بين لنا في حديثه؛ أن الإبل خلقت من جان، واعتقد أن القصد من هذا الحديث الشريف يعود إلى تصرف الإبل كتصرفات الجان، أو لهيجانها، أما لحمها فلا علاقة له بالحديث. وعلل سبب الوضوء من لحم الإبل نتيجة الغضب الذي يعتري الإنسان بعد أكله، ولهذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالوضوء عند الغضب لا لنجاساتها كما يدعيه البعض. واستطرف أقوال البعض إباحته للحم الجان، قائلا: «هذا كلام مضحك». تغييب النص ونفي الدكتور صالح بن سعد اللحيدان، المستشار القضائي الخاص، والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، ماجاء مرجعا ذلك لأسباب منها: أن الإبل لم يثبت خلقها من نار، أو من جان، أو من الشياطين، مطالبا كافة العلماء والمحققين وأساتذة الجامعات، تحقيق مناط المسائل العلمية، بتقعيدها وتأصيلها إلى النص، لا التأوييل. وذكر أن تغييب النص الصحيح يقود الكثير إلى الإشكال، مؤكدا أن الإبل خلقت من ماء، بدليل قوله تعالى «والله خلق كل دابة من ماء» وهذه الآية تشمل كل ما يدب أرضا. وبين أن الكائنات مخلوقة على نوعين منها: ما يعرف بالخلق المائي المطلق، كالطير والإبل والحشرات، سواء التي نراها أو لا نراها، والنوع الثاني: الخلق الخاص، وهو الإنسان، الذي قال الله عنه: «يخرج من بين الصلب والترائب». ورفض اللحيدان، فكرة تشكل الجان على أي نوع من المخلوقات، قائلا: بأن الجان تتشكل على ثلاثة أنواع: القط والأفعى والكلب، ومن قال إنها تتشكل بالجاموس أو الحصان أو الحمار فلا صحة لكلامه، موضحا أن تشكله على الهيئات الثلاث، لا يعني إمكانية القبض عليه، لكن يمكن التغلب عليه بالرقية، واعتبر الاعتقاد بتحويل الجان إلى أي حيوان غير الثلاثة الواردة سببه نقص المعرفة، وعجز العقل عن الفهم أو الوصول إلى النص، مشيرا إلى أن الثقلين لا يأكلون بعضهما إطلاقا. ولفت إلى أن خلق الجان من مارج من نار، وهم على ثلاثة أنواع: منهم ما يطير في الهواء، ومنهم من يعيش في دورات المياه والأماكن الخربة، ومنها ما يعيش في الصحاري والقفار. وقال من خلال قراءاتي للزغبي، أجده رجلا فاضلا، لكنه بعيد عن معرفة الآثار والنصوص الشرعية، حتى وإن افترضنا قربه من الآثار، لكنه لا يعرف الصحيح من الضعيف، كما لا يفرق بين الحسن لذاته والحسن لغيره، ولا يفرق بين ما له أصل وما هو بغير أصل، فغابت عنه الحقيقة، لذلك صرح الزغبي «أن الإبل مخلوقة من جان». مسائل لاتجدي نفعا إلى ذلك، رأى الدكتور هاني فقيه عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية، أن الحديث في هذه المسائل لا أهمية له ولا يجدي نفعا في العيش أو الحياة والتطور، كما أنها لا تحوي أي مردود ديني أو دنيوي. وعد ذلك من الجهل، قائلا: «للأسف يتقول البعض بأمور يجهلها للفت الأنظار، وهذا نتاج جهل»، موضحا أن الصلاة في أماكن الإبل منهي عنه، وعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، معللا أن الإبل تأخذ صفات الجان نتيجة هيجانها.