أول مرة أتناول فيها كتابا برسم «ثقافة البصق» وفق المراجعات النقدية كان في الأول من يناير عام 1995، في أول تلك السنة صدر كتاب «أبصق على الغرب» للثائر الروسي المثقف فالديمير جروينوفسكي عن دور الخدمات الصحافية في موسكو. لقد كان هذا الكتاب هو أول كتاب يهديه الثائر الروسي إلى المكتبة الروسية قبل نحو عقد زمان ونصف ولا أزال أذكر إلى اليوم كيف وصفته وكالة الأنباء الروسية «تاس» وقتئذ قائلة حوله وعنه ومن خلاله إنه يتضمن آراء وأفكارا ومقترحات الزعيم المتطرف من واقع طموحاته المعلنة التي يسعى لتحقيقها وإقناع الشعب الروسي بشرعيتها. غير أن الكتاب الأكثر إثارة من فكرة البصق هو كتاب آخر لنفس المؤلف كان قد صدر عام 1993 بعنوان «الدفعة الأخيرة نحو الجنوب». ومن خلال الكتاب يتناول المؤلف الروسي أمنيات الإرادة الروسية وقتئذ في أن اندفاع الجنود الروس إلى المحيط الهندي كما يغسلون أرجلهم في مياهه، أملا وتعبيرا عن تطلعات جروينوفسكي لسيطرة الروس على العالم. لكنني على أية حال كقارئ لأفكار وتوجهات الكتب بطي المراجعات النقدية لست بصدد الثائر الروسي، بل بصدد ثقافة البصق الآيلة تعبيرا بطي أسانيد فكرية إلى موقف الاحتقار الفكري، حيث اقتبس الكاتب الكاميروني بعد عقد زمان ونصف بعض مرجعيات هذه الثقافة لتوظيفها من خلال سياق أفريقي آخر، فقد صدر قبل بضعة أشهر كتاب بعنوان «أبصق على قبورهم» لمؤلفه الكاميروني جدفريه تانجا. يستخدم المؤلف الكاميروني ثقافة البصق ولكن على النقيض من أفكار الثائر الروسي، إذ يعتبر المؤلف تانجا ثائرا فكريا ويحارب الفساد والاستبداد بتطلعات ديموقراطية محدودة، فيما تنتمي طروحاته إلى مجموعة الكتب الأفريقية. تبلغ عدد صفحات الكتاب نحو 222 صفحة وتتميز بعمق التحليل وتدقيق الوقائع، ويعتبر الكتاب وثيقة تهم مثقفي الكاميرون بالدرجة الأولى، ناهيك عن كونها مصدرا غنيا بالرأي والمعلومات والتعليقات التي تهم «الجيل الآتي». يركز مؤلف الكتاب على عبارة الجيل القادم أو الجيل الكاميروني الذي لم يولد بعد، إذ يرى من خلال طروحاته أن الجيل القادم في الكاميرون لما بعد عام2010 سوف يكون جيل خلاص، هكذا يصفه المؤلف تانجا لأنه سوف يكون الأكثر قدرة على رفض الفساد بشكل عام، وبحسب تعبيرات المؤلف تانجا سوف يكون الجيل الأكثر قدرة على قبول الشفافية وحراسة شمعة الإصلاح. يتكون الكتاب من عدة فصول جمعها المؤلف تانجا لإدانة الفساد، وهو يقول إن أفكاره مهمة جدا ولكنها موجهة إلى الجيل الذي لم يظهر بعد، إذ يراهن المؤلف تانجا أن الجيل القادم سوف يكون الأكثر جرأة على صنع عصر إيجابي. وبحسب رؤية المؤلف سوف يأتون في وقت ليس ببعيد، ولكنهم قطعا سوف يأتون في وقت يكون فيه الفاسدون قد أختفوا أو ماتوا وانتهت صلاحيتهم وهلكوا من فوق الأرض. ومن هنا تأتي عبارة «أبصق على قبورهم» احتقارا ضد فساد المتنفذين وكشهادة فكرية من جانبه تشجع على مشروعية الكفاح الديموقراطي. إنه يمارس اللعنة الفكرية ضد صناعة الفساد التي استشرت في شرايين مدن الكاميرون لدرجة باتت فيها المدن تحلم بظهور الخلاص على يد جيل لم يئن وقته بعد. I Spit on Their Graves: Testimony Relevant to the Democratization Struggle in Cameroon Godfrey B. Tangwa African Books Collective, 2010 - 222 pages