لم يكن المطر يتأخر عن موعده، وما كان المزارع ليتأخر في فلاحة أرضه عن موعد المطر، وبالتالي كان الجميع يعرف موعد الزراعة والحصاد، ولا غرابة إن اشتروا أو باعوا بالدين لنفس ذلك الموعد. الحبحب والدخن هما ما يملآن تلك الأراضي، وما كانت تحفل به حقولهم، الكل ما كان يحلم بأكثر من قطعة أرض لزراعته، ومنزل لا يبتعد كثيرا عنها هو المأوى والمسكن. الأنظار والأحلام لم يكن لها أن تمتد أكثر من ذلك، لهذا عندما نهضت المنطقة فوجئ أولئك القانعون بأنهم لم يخرجوا من كل ذلك إلا بمسكن متواضع، في الوقت الذي كانت كل تلك المساحات أمام النظر وتحت التصرف، إلا أن الأحلام البسيطة والقنوعة كانت تحجب عن الواحد منهم كل ذلك. حي المحاميد شرقي جدة.. مبانٍ وبيوت تسكن الوادي مثلما تسكن الجبل، هناك يعيش أناس ما زالوا متمسكين ببيوتهم رغم نقص أغلب الخدمات، يغادرونها صباحا إلى أعمالهم، لكنهم في النهاية يأوون إلى حيث بيوتهم في هذه المساحة التي تسمى المحاميد.. فماذا قال سكان الحي: من الذاكرة بداية، وحيثما كانا يتناولان إفطارهما أمام باب الدار، وببساطة السكان وطيبتهم، بادر محمد كريم الجهني (71 عاما)، وبحضور رفيقه حمود الجهني قائلا: أنا من عايشت وعشت حال هذا المكان عندما كان مجرد مزارع، وكانت لدي مزرعة مثل الجميع. كنا نزرع الحبحب والدخن فقط، وهذا الحصاد ينقل إلى أسواق جدةومكة على ظهور الجمال، وكنا نغادر ظهرا لنصل إلى مكة مع الشروق، كل هذه المسافة نقطعها على ظهور الجمال المحملة بالخير، وكنا نزرع أيام المطر الذي كان يأتي في موعده ولا يتأخر أبدا، لكن عندما بدأت الأمور تتغير أخذ المطر يغيب، وهذا ما دفع الكثير لترك المكان والمغادرة. والحقيقة، كان كل هذا المكان على اتساعه أمام أعيننا، لكن لم يخطر ببال أحد أنه سيكون في يوم ما بهذه الصورة، والسبب أن الجميع كان لا يهمه من أمور الدنيا سوى أن يزرع، وأن يكون لديه منزل يؤوي أطفاله، وما عدا ذلك لا يهم، ولا يراود الطمع أحدنا بامتلاك أكثر من ذلك، ولكن الآن تبدلت الأمور، ووجدت نفسي بالكاد أخرج بهذا البيت، والذي لا أملك غيره. لا مواصلات ولا نظافة يتدخل ابنه قائلا: هي فرصة لطرح بعض همومنا في هذا المكان، فبرغم أن المحاميد من أقدم الأحياء في هذا الموقع، إلا أنه يفتقد للكثير من الخدمات، وعلى رأسها الكهرباء التي ما زال الكثير لا يتمتعون بها، ومن هنا يساعد بعض الجيران الآخرين بمد «كيبل»، ومن المؤسف أن الكهرباء كانت في طريقها لبقية المساكن، لكن تم توقيفها، فأنا أنتظرها منذ ثلاث سنوات، كما أنه لا يوجد مركز للرعاية الصحية. أما بالنسبة للنظافة، فهناك جهود بسيطة ومتواضعة تتسبب في تراكم النفايات في أغلب الأوقات لأسبوعين أو أكثر، وتحتاج بعض المساجد في الحي إلى مؤذن رسمي. الماء .. الماء ينضم راشد عبد الرزاق المحمادي قائلا: لا ننسى مشروع المياه، فالحي يعتمد على صهاريج المياه، وهذا إرهاق آخر يضاف إلى معاناة الناس، وأؤكد على موضوع النظافة والذي يحتاج إلى متابعة يقظة، فالعمالة الخاصة بالنظافة لها اهتمام آخر، خلافا لعملية إزالة النفايات وتنظيف الشوارع وخصوصا الفرعية. ويقول عبد الرحمن أحمد المحمادي: أغلب الطرق والشوارع الفرعية في المحاميد هي طرق صخرية ورملية ولا وجود للأسفلت أبدا، ولا تزال بعض الشوارع حتى الآن متأثرة من الأمطار التي جاءت قبل مدة، وهناك من الأهالي من قام بجهد ذاتي وفردي بتمهيد الطريق المؤدي إلى بيته، وهناك من حاول سفلتة بعض أجزاء الطريق، لكن بصورة عامة نفتقد السفلتة، وإن كانت بعض الطرق الرئيسة قد غطيت بقشرة بسيطة من أسفلت!. 12 عاما تنتهي بقشرة الأمر لا يخرج عن كونها قشرة أسفلت، كما قالها (عبد الرحمن)، وهذا ما يقلق بعض سكان الحي عندما شاهدوا بعض شوارعهم الفرعية ترش بمادة سوداء على أساس أنها سفلتة، ولهذا يقول عبد الرزاق المحمادي: بعد مطالبات امتدت (12عاما)، وبعدما كنا نحلم بطرق معبدة كبقية الأحياء، جاءت السفلتة وليتها لم تأت، فما يتم حاليا في الشوارع والأزقة لا يخرج عن كونه مجرد (مسرحية)، لا أظن الهدف منها سوى (إسكات) الأهالي، لقد جاءت شركة تقول إن مهمتها تنحصر في تسوية الشوارع. يتدخل جاره ملوح القحطاني متسائلا: التسوية هذه هي أن هناك عملية تمهيد للشوارع دونما إجراء أي تأسيس للأسفلت، فلا معدات ولا تجهيزات خاصة بالسفلتة أو تمهيد الطرق. يعود عبد الرزاق المحمادي للقول: بعد عملية التمهيد السطحية، يتم رش طبقة رقيقة جدا لا تتجاوز سنتيمترات قليلة من الأسفلت، لينتقلوا بعد ذلك لشارع آخر، والغريب أن السفلتة تجري فقط في أجزاء الطريق السهلة، فلو كانت هناك صخرة أو مجموعة صخور أو كمية من النفايات أو أجزاء مرتفعة أو منخفضة، لا يكلفون أنفسهم بتسوية الطريق بالأسس العلمية، فكيف لا يتم تعديل مسار الطريق وتنظيفه، وكيف يضعون الأسفلت في الأماكن السهلة ويتركون غيرها، وللأسف عندما واجهناهم، جاء ردهم بأن مهماتهم لا تخرج عن التسوية بتلك الطريقة، وأن هذا اتفاقهم مع البلدية، ومن غير المعقول أن يكون ذلك اتفاقهم، والمسألة بحاجة لوقوف مسؤولي الأمانة على عملية السفلتة العجيبة.