عبر أزمنة ماضية ظلت إدارة المرور تبث رسائل التوعية المرورية وترسل رسائلها من خلال كل قنوات الاتصال للسائقين، تلك الرسائل التوعوية تحمل في مضامينها التحذير والتنبيه من مخاطر السرعة كما يتم من خلال تلك الرسائل بث قواعد القيادة السليمة والتوجيه باتباع وسائل السلامة في قيادة المركبات.. فعقدت كثير من الندوات للتوعية المرورية.. كل ذلك من أجل حياة الأبرياء وحماية الأرواح والممتلكات.. وما إن يبدأ الأسبوع المروري حتى يتم تكثيف تلك الرسائل ولوحات التوجيه والتوعية.. فلإدارة المرور جهود جبارة في ذلك الجانب.. وقد لجأ في بعض رسائله لتحريك جانب المشاعر وذلك من خلال بث صور لحطام سيارات راح كل من فيها ضحايا لأخطار الحوادث، أو تصوير بعض الدماء على بقايا تلك السيارات لعلها تحرك جانب الخوف من أخطار السرعة والتهور.. وكما تنامى للجميع كمعلومة أن المملكة تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الوفيات بسبب الحوادث المرورية.. والجدير بالذكر أن جل تلك الحوادث كان المسبب الرئيس فيها هو السرعة.. كل تلك الجهود لم تؤت أكلها كما هو مطلوب، ولم تقلل عدد الحوادث بنسب كبيرة. فجاء نظام ساهر الذي أصبح هاجس قائدي المركبات وكل من يقف خلف مقود السيارة.. فأصبحت العيون كأنها رادار يرقب كاميرات ساهر أكثر من مراقبة الطريق.. كما أصبح هذا الساهر حديث المجالس وأخذ البعض على عاتقهم إرشاد الآخرين على مكامن ساهر ومواطن تواجده.. وارتاب الجميع من قسائم السرعة.. فانخفضت معدلات السرعة بشكل واضح وملموس، كما أنعكس ذلك على مستوى الحوادث، ففي آخر ما جاء من إحصائيات أن عدد الحوادث منذ تطبيق نظام «ساهر» انخفض بنسبة 25% فبرغم أن انخفاض عدد الحوادث شيء مفرح إلا أنه في ذات الوقت مدعاة لمراجعة الوعي الحقيقي لدينا.. فلماذا لا يخاف المواطن على حياته ويتعظ من الأشلاء التي تتناثر هنا وهناك جراء الحوادث؟ ولماذا خاف عندما أصبح الأمر يتعلق بدفع المال. فالإيمان بأن السرعة قاتلة موجود كقيمة لدى كل إنسان ولكنها غير مطبقة كسلوك.. فتوجيه التوعية برسائل تحمل مضامين سامية تهدف إلى حماية الأرواح والممتلكات لم يكن له ذلك الأثر برغم إيماني التام بوصول تلك الرسائل لكل قائد مركبة.. فتجلى سلوك مغاير تماما لقيمة الرسائل.. وما إن تمخضت قرارات المرور لتطبق نظام ساهر وبدأت مخاطبة ال«الجيب» ودفع المال من خلال إرسال قسائم المخالفات حتى انضبط السلوك العام لدى السواد الأعظم من قائدي المركبات ولكن هذه المرة على نقيض التوعية القديمة فلا يوجد إيمان بآلية الضبط. لماذا نحتاج لمخاطبة المادة حتى يمكننا تطبيق نظام ما؟ وهل يحتاج الضابط العام للجوء للغرامات والقسائم حتى ينضبط السلوك؟ ياسر أحمد اليوبي مستورة