من تناقضات الحياة والسلوك الإنساني التي تهم الاقتصاديين القول بأن المصلحة العامة لكل أفراد المجتمع هي مجموع المصالح الخاصة لكل فرد، فإذا تحققت مصلحة كل فرد تحققت مصلحة الكل أي المصلحة العامة. ولكن هذا في الواقع غير صحيح، بل إن المصالح الفردية تتناقض مع المصلحة العامة. فما قد يكون صحيحا بالنسبة للأفراد قد لا يكون صحيحا للمجتمع ككل. فعلى سبيل المثال، من الأنفع لصاحب المصنع أن يتخلص من نفايات مصنعة بالطريقة الأسهل والأرخص الموفرة للتكاليف، لكنها تلحق أضرارا بالمجتمع. ولو تخلص كل سائق سيارة بالنفايات داخل سيارته وألقاها إلى الشارع، تحققت مصلحته وأضر بالمصلحة العامة. ولو ذهبت إلى كثير من المجمعات أو العمارات السكنية فقد تجد المداخل وكذا الدرج وكل ما هو مرافق مشتركة في حالة سيئة من الإهمال وعدم النظافة، في حين أنك بمجرد دخول أحد هذه المساكن أو الشقق السكنية، تجدها نظيفة ومرتبة. السبب هو أن كل تكلفة تبذل لنظافة المسكن من الداخل تعود على الساكن وأسرته، أما نظافة الأماكن المشتركة للمبنى خارج المسكن فسوف تعود على الجميع، ولا أحد يريد أن يتحمل هذه التكلفة نيابة عن حساب الآخرين، فالسلع والخدمات العامة تحتاج غالبا إلى تدخل السلطات العامة، فإذا كان الأفراد يسعون لتحقيق مصالحهم بأقل التكاليف، فإنهم أيضا يستجيبون للحوافز أو الجزاءات التي تفرضها السلطة أو المجتمع على الأفراد لمنع هذه الانحرافات أو تشجيعهم على تحقيق الصالح العام. فالأفراد لا يتشاورون جماعيا قبل اتخاذ كل منهم لقراره الاقتصادي (رغم انعكاسات القرار الفردي على المجموع)، وهو يتخذه غالبا بناء على توقعات لا على الحقائق المفروغ منها. ولهذا فإن المصالح الذاتية قد تكون خيرا أو وبالا على المجتمع، وفقا لما يضعه المجتمع من قواعد للمكافأة والعقاب ولنظم الحوافز والقيود السائدة في المجتمع وهذه مسؤولية المجتمع والجهاز الحكومي.