قدر رئيس المنظمة العربية لمكافحة الفساد أن المنطقة العربية فقدت ألف مليار دولار، أي ثلث مجموع الدخل القومي للدول العربية، في عمليات فساد مالي وإهدار للأموال خلال السنوات الماضية. وتعرف منظمة الشفافية الدولية «الفساد بأنه سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية». فمن المعروف أن يقوم الفرد كأي وحدة اقتصادية في المجتمع بتحليل المنافع والتكاليف بما فيها المخاطرة قبل القيام بأي تصرف، حبث يسعى الأفراد لتحقيق مصالحهم بأقل التكاليف، ولكنهم أيضا يستجيبون للحوافز أو الجزاءات التي يفرضها المجتمع على أفراده لمنع هذه الانحرافات أو تشجيعهم على تحقيق المصلحة العامة أو على الأقل عدم تعارض مصالحهم الخاصة مع مصالح المجتمع. فالتاجر الجشع والمحتكر سوف يستمر في جشعه إذا لم يردعه أحد، ولكنه سوف يعدل سلوكه إذا كانت هناك قوانين صارمة لمعاقبة الكسب غير المشروع ومراقبة الاحتكار، وبالمثل فإن المدير المسؤول سوف يسخر قدراته وسلطاته لتحقيق مصالح خاصة به أو لفئة من حوله، إلا إذا وجد قيودا تحد من سلطاته . وبالمثل فإن المجرم سوف يعيد النظر في سلوكه إذا كانت هناك عقوبات رادعة، وبشرط أن تتوافر أيضا فرص مناسبة للكسب المشروع. ويؤكد الاقتصادي جاري بيكر أن معظم المخالفات القانونية تتم لأن هناك مصلحة للمخالف أكبر مما يلحق به من عقاب أو جزاء. وعندما أراد الاقتصادي جيمس بوكنان تفسير تفشي ظاهرة الإسراف وعدم الكفاءة وأحيانا الفساد في الإدارات الحكومية، وجد أن المسؤول يحقق لنفسه منفعة مباشرة من هذه الانحرافات، في حين أن التكلفة تتحملها الموازنة العامة وتوزع أعباءها علي المواطنين، وبالتالي فإن ما يلحق هذا المسؤول من زيادة في الأعباء كمواطن قليل لأنه فرد من عدة ملايين، أما النفع نتيجة الإسراف أو التبديد فيعود عليه مباشرة بالكامل في صورة مكاسب أو مزايا مالية أكبر. ولا تقتصر آثارالفساد على إهدار المال العام وتزايد النفقات وانخفاض الإيرادات وعجز الموازانة العامة، بل تمتد إلى تزايد مشاعر اللامبالاة والسلبية وتسود الأنانية لتحقيق المصالح الخاصة وإعاقة جهود التنمية. إن كثيرا من المخالفين والمجرمين لا يرون حجم الخسائر الحقيقية الناجمة عن سلوكهم، فالغشاش أو المرتشي قد يعتبرسلوكه تصرفات شخصية لا تضر أحد على الأقل فى المدى القصير ,اوأن أقصى تكلفة لن يتحملها سوى طرفي المخالفه .ولكن واقع الأمور غير ذلك تماما فان فإن تكلفة الفساد لا يتحملها المجرم فقط، بل إن المجتمع أيضا يتحمل جزءا كبيرا منها.ولهذا فإن واجب منع الفساد يجب أن يكون من مسؤوليات أفراد المجتمع أنفسهم وذلك بالامتناع عن التستر على الفساد، وكذلك مساعدة الإدارات النزيهة في القضاء على هذه الظاهرة ليس فقط من منطلق أخلاقي، بل أيضا من منطلق اقتصادي. وأهم الحلول الاقتصادية التي تحقق القضاء على السلوك المخالف والإجرامي يكمن في إحساس واقتناع المخالف أو المجرم بارتفاع التكاليف التي يتحملها وأهمها العقوبات التي سيتحملها لو تمت إدانته ومنها خسارة ما اكتسب، فمن يخشى العقاب لن يسيء الأدب.