سياسة الحوار اعتمدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأطلقها على كافة الصعد لتكون منارة خير للعالم أجمع وللوطن بشكل خاص. ومن خلال هذا المبدأ العميق تأسس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ليكون الجهة المنفذة لهذه الرؤية المثمرة، وتولدت تحت مهماته مشاريع عدة ترمي إلى النهوض بمستقبل الأمة والوطن. ويأتي الحوار التربوي عاملا رئيسا في بناء العملية التعليمية واستمرارها صرحا شامخا ينير دروب الجهالة والغواية، ويبدد ظلام التقوقع والتحجر وتكميم الأفواه ويسهم في الخروج من التقليدية النمطية التي لم تثمر إلا نتاجا ناقص النضوج. وهذا ما يؤكده اختصاصيو التربية ومهارات فن التواصل بالحوار، مشيرين إلى أن الحوار أسهم في كشف سلوكيات خاطئة خفيت على من أوكلت إليهم مهمة تربية وتعليم النشء، وأظهرت لهم مدى أهمية هذا المبدأ في إيصال المعلومة وتبادلها مع الطلاب وترسيخها في أذهانهم بعد تكوين بيئة آمنة يأوي إليها الطالب وينمي فيها ذهنه ويستثمر فيها وقته. ففي الأعوام الثلاثة الماضية أسهم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في تنظيم برامج تدريبية للمشرفات والمشرفين في المناطق بلغت 34 برنامجا تدريبيا في 13 منطقة، وخرجت 903 مدربات ومدربين معتمدين من قبل المركز، إلا أن معوقات طرأت على السطح قلل منها البعض واعتبروها نتيجة طبيعية وحتمية لأي مشروع في بداياته، في حين دعا آخرون إلى تدراك نقاط الضعف لإتمام المشروع بكل قوة ليحقق الهدف المنشود. وفي الجانب الآخر، يبدو معظم الطالبات والطلاب مبتهجين بالمشروع حسبما يؤكده المشرفون عليه واستنادا على مسح ميداني أجري على طلاب منطقة مكةالمكرمة، في حين يرى اختصاصيون أن قلة الوقت وضغط المناهج المتخمة بالمواد العلمية المكثفة يعيق ممارسة ثقافة الحوار داخل الصفوف والقاعات. وترى مجموعة أخرى أن بعض فئات المجتمع ما زالت غير مؤمنة بالحوار، مطالبين بإذابة هذا الجمود وتثقيفهم بضرورة ممارسة الحوار كقيمة أساسية للتعايش والتفاهم وتبادل المعلومات وتلقي العلوم. «عكاظ» فتحت ملف الحوار التربوي في المدارس والجامعات، لتطلع عن كثب مدى تطبيق هذا المبدأ وتعميقه في عقول ونفوس الطلاب واستشراف المستقبل المشرق للمشروع بكشف أهم المعوقات التي تعترضه.. فإلى التفاصيل: رولا دهلوي 22 عاما (طالبة جامعية) تؤيد مبدأ الحوار بشدة، كما ترى أن له أثرا تربويا كبيرا في مسيرة تعليمها، مطالبة بتضمينه في السياسة التعليمية كأساس لا يمكن الاستغناء عنه. لكن نجلاء السعيدي 22 عاما، وياسمين بوجان 22 عاما تؤكدان أنهن لم يريا تطبيقا لهذه الثقافة في جامعتهن، إلا أنهما تؤكدان أهمية ممارستها في المدارس والجامعات، مشيرتين إلى أن من آثارها إثراء الطالبات بالمعلومات وتنمية احترام ثقافة الاختلاف. وترى السعيدي في الوقت ذاته عدم أهمية دمج الحوار كمنهج في كل مادة سوى التي تعتمد أسلوبا تفكيريا، في حين تؤكد بوجان أن مهارة الحوار تكتسب من الأسرة ولا يلزم تثقيف وتعليم الطالبات والطلاب بها. أما خلود أحمد البلوشي 20 عاما فتطالب بضرورة دمج الحوار كمنهج صفي ليكون أساسا في حياة الطالبات والطلاب العملية والعلمية.وتوافقهن الرأي بشرى الرحيلي، ميعاد بخضر، ونوف مجرشي (طالبات في المرحلة الثانوية) إلا أنهن يطالبن بضرورة تخصيص جزء من أيام الدراسة لممارسة هذه الثقافة بشكل عملي. آراء المعلمات أما المعلمات فيؤكدن أنهن يجدن أثرا في زيادة لغة التخاطب مع الطالبات وبث روح التعاون وإزالة الرهبة من قلوب طالباتهن، فهنا نائلة باصفار، ماجدة مقادمي، وفائزة البركاتي (معلمات للمرحلة الثانوية) يؤكدن حاجتهن لإتاحة المزيد من الوقت لهن حتى يثقفن الطالبات عمليا بمهارة الحوار واستكناه مالديهن من أفكار ومعلومات، وأشرن إلى أن وقت الحصة وضغط المناهج يشكل عائقا لهن عن تقديم كل ما لديهن في الحصة. آراء الطلاب وفي جانب الطلاب، يرى كل من أحمد الغامدي، وليد السهلي، وناصر الحارثي (طلاب جامعة) أهمية استخدام الحوار كممارسة دون إدراجه كمنهج في التعليمين العام والعالي، لكنهم يعتبون على معظم أستاذتهم عدم تكريس هذه الثقافة والاعتماد على أسلوب التلقين التقليدي. أما عبدالله العليوي، محمد الزهراني، ونايف الشهراني فيرون أن الأسلوب التلقيني التقليدي لا يفيدهم أبدا في وصول المادة العلمية إليهم وفق الهدف المرسوم لها، مطالبين في الوقت ذاته إلى تعميم هذه الثقافة وممارستها من قبل المعلمين بشكل أكثر. آراء المعلمين وبسؤال المعلمين فإنهم لا يمانعون في استخدام مهارة الحوار في الحصص الدراسية، إلا أنهم يؤكدون أن وقت الحصة ليس كافيا لهم لممارسة هذه الثقافة وتكريسها في المدارس، إضافة إلى ازدحام المناهج، مشيرين إلى أنهم وجدوا تجاوبا كبيرا من الطلاب حين تدريسهم بالحوار. وفي ورشة عمل نظمتها الإدارة العامة للتربية والتعليم في منطقة مكةالمكرمة مطلع الأسبوع الحالي تبين أن 85 في المائة من المعلمين والطلاب وأولياء أمورهم (ذكورا وإناثا) في اقتناع تام باستخدام مهارة الحوار للتواصل بين الطالب والمعلم، في حين أكد المعلمون حاجتهم إلى مزيد من الوقت وتقليل المناهج ليتمكنوا من ممارستها بشكل تام غياب الحوار وهنا يعتبر نائب رئيس لجنة الشؤون التعليمية في مجلس الشورى الدكتور أحمد آل مفرح أن غياب الحوار طريق إلى سوء الفهم وعدم المعرفة بالآخر في كل الأصعدة الأسرة، المدرسة، المجتمع المحلي، والعالم كله، مشيرا إلى أن لغياب الحوار تأثيرا سلبيا على التفاهم والتعايش والسلام. ونفى نائب رئيس لجنة الشؤون التعليمية أن يكون الحوار غائبا في الثقافة الإسلامية، لكنه غير ممارس بشكل صحيح، مشيرا إلى أن المركز يقدم خطوات كبيرة بإطلاقه عددا من البرامج والإرشادات وعقد اتفاقات بين عدد من الجامعات والمراكز. وشدد آل مفرح على ضرورة أن تنعكس هذه الجهود عبر برامج مباشرة وغير مباشرة عبر تعزيز الحوار بين الطلاب والمعلمين وبين الطالب وأسرته، داعيا إلى إيجاد تواصل بين المدرسة والمنزل لترسيخ هذه الثقافة. وبين عضو مجلس الشورى أن المجلس يتسائل دائما عما توصل إليه مشروع الحوار التربوي ويفحص التقارير التي ترد إليها من وزارة التربية والتعليم، مشيرا إلى أن منتدى البرلمانيين العرب في التربية المرتبط باليونسكو الذي يرأسه يذكر برنامج الحوار الوطني كأحد المشاريع الحيوية الناجحة في المسيرة التربوية. مسؤولية الأسرة أما عميد كلية المعلمين في الرياض الدكتور علي العفنان فحمل الأسرة مسؤولية تثقيف الطالب بالحوار، مؤكدا أن «هذه الجوانب تغرس منذ الصغر ولا تدرس». وبين العفنان أن الحاجة ملحة لأن تعتني المؤسسات المعنية بتشكيل المجتمع الأسرة، المدرسة، المسجد، ووسائل الإعلام بتأصيل مفهوم الحوار كممارسة تطبيقية، ليرى الناشئة نموذج الأب في البيت أو المعلم في المدرسة. ودعا العفنان إلى أن تشكل المدارس ومؤسسات المجتمع المدني والجهات المعنية صفا واحدا خلف مجهودات مركز الملك عبدالعزيز للحوار، مؤكدا أن الحوار مفتاح لحل المشكلات، وبه يفيض الإنسان بما لديه من مكبوتات ومعاناة. ورأى عميد كلية المعلمين إلى أن الحوار يكشف السلوكيات الخاطئة والأفكار المنحرفة، مشيرا إلى أن كثيرا من الشباب يدمن المخدرات بسبب إهمال أبويه له وافتقاده لبيئة الحوار الآمنة، فيلجأ الشاب إلى من يعينه على المخدرات. وشدد العفنان على ضرورة وجود عنصري الثقة والأمان لنجاح الحوار، مشيرا إلى أن الطالب إذا أحس بالبيئة الآمنة فإنه يخرج ما لديه من أسئلة كان طرحها في نظره سابقا مخجلا أو مخيفا. استخراج المعلومات وشدد الباحث التربوي والمدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور علي النشوان على ضرورة استخدام الحوار في الوسط العلمي بالطريقة الحوارية التي تعتمد على التحاور بين المعلم والتلميذ ليستخرج المعلم ما يريده الطالب من معلومات في مجال الدرس. واعتبر النشوان أن الحوار يبين للطالب مدى قلة معلوماته ويجعله يدرك بحاجته إلى معلومات كثيرة لينصت إلى المدرس وينسجم معه. ورأى النشوان أن الطريقة التقليدية السائدة في المدارس والجامعات سهلة على المعلم، لكنها فاشلة في إيصال المعلومة للطلاب، مشيرا إلى أن المعلومة التي يسترجعها الطالب من المحاضرة التلقينية ضئيلة جدا. لكن النشوان يوضح هنا أن المعلم في التعليمين العام والعالي معذور في عدم تطبيقه للحوار بشكل واف، مرجعا ذلك إلى ضيق الوقت وازدحام المقررات والمناهج. وفيما يتعلق بالحوار الثقافي بين اختصاصي التربية أن «جيل الأستاذ أقدم وأعلى من التلميذ»، مشيرا إلى أن الفوارق الطبقية تشكل فجوة في البعد الفكري والتفكيري. وأوضح النشوان أن تضييق هذه الفجوة يكون بالحوار والمناقشة واستدرار الأفكار من التلاميذ وامتصاص ما قد يكون لديهم من ثورة على المجتمع أو على الأنظمة القائمة؛ لأنه إذا عبر عما يجول فيه ذهنه عبر الفكرة والحوار فإنه ينفس عن ذاته، وبالتالي لن تتحول الفكرة إلى تخطيط أو إساءة تدمر مستقبله. دور الأسرة أما رئيس قسم مهارات الاتصال في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور نوح الشهري، فيوضح أن ثقافة الحوار تنشأ من تربية الأبناء في الأسرة من خلال تغذية الوالدين للطفل بالثقة في النفس والقدرة على التعبير وحواره مع أبيه وأمه. وأكد الشهري أن ثقافة الحوار إذا بدأت في البيت والأسرة بطريقة صحيحة فإن الابن يتربى على هذه الثقافة ويمارسها وتصبح سجية وطبيعة لا يتكلفها. وأشار إلى أنه يجب مراعاة بعض النقاط حين ممارسة الحوار، إذ أن أولها تعزيز الثقة بالنفس والقدرة على التعبير، إضافة إلى فتح المجال للطفل لشرح ما يريده دون تخوف وحرج، وكذلك التدريب على استخدام الألفاظ المناسبة المؤدبة التي تليق بالوالدين وغيرها من العناصر المشتركة، فيما يأتي دور المدرسة والجوانب الأخرى والأنشطة الخارجية بعد ذلك. وشدد رئيس قسم مهارات الاتصال على أن دور أستاذ الجامعة تعزيزي، إذ أن التأسيس يبدأ من الأسرة ومدارس التعليم العام، مشيرا إلى أن بعض الطلاب لايستطيع الحديث أمام الأستاذ أو زملائه؛ لعدم اعتياده على ذلك سابقا. وأوضح الشهري أنه لابد من مراعاة مرحلة التأسيس، مضيفا «لايمنع ذلك من أن يكون للأستاذ الجامعي دور في غرس الحوار لكن عليه أن يبتعد عن الأسلوب الإلقائي وهو أسلوب تقليدي لايفتح مساحة مشاركة الطالب في الحوار معه والتعلم الذاتي والمثاقفة». وطالب الشهري بتحويل بعض المناهج الدراسية إلى تدريب مثل منهج مهارات الاتصال، بحيث يكسب الطالب المهارة، مشيرا إلى أن هذا يتحقق بالتطبيق داخل القاعة، داعيا الأساتذة إلى فتح المجال للحوار، وألا يضيق بسؤال أحدهم عن معلومة ما ليكون قدوة حسنة لهم. وقال: يجب ألا نستهين بمرحلة ما قبل الدراسة، فالدراسات تشير إلى أهمية هذه المرحلة في غرس ثقافة الحوار، مضيفا «من خلال تدريسي لمهارات الاتصال ومن خلال استطلاعي لزملائي المدرسين لها لاحظت تشوق الطلاب للمادة ويشعرون بالفرح عند دخول القاعة، إذ يفتحون لهم المجال الذي ربما لايجدونه متوفرا في مواد أخرى». افتقاد المهارة لكن الدكتورة مضاوي الشعلان الأستاذ المساعد في كلية التربية في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، رأت أن البعض يفتقد مهارة استخدام الحوار كأداة للإقناع ويراها تقليلا من شأنه أو من قدراته خاصة عندما يأتي الاعتراض من الطالبة، مشيرة إلى أن تفعيل لغة الحوار كمهارة فطرية ومكتسبة يكون من خلال التجارب والدورات والمشاركات في الاجتماعات والمؤتمرات والندوات. وقالت: من السهل علينا إسكات الطرف الآخر ولكن ليس من السهل إقناعه، وهذه حقيقة مدركة في مجال التعليم العالي الذي يعد الحوار أحد أدواته ووسائله في نشر العلم والتعلم؛ فالحوار يناقش العقل ويعتمد على المنطق والأدلة والبراهين ولا يعتمد على التسفيه والتسلط، كما أنه إحدى قنوات التواصل الفكري والاجتماعي والثقافي الذي يرتقي به الإنسان في حواسه وعواطفه وسلوكه، وهذا هو مجمل عمل الأكاديمي ومنهجه في نقل وتوصيل علمه إلى طالب لم يعد فيه أستاذه مصدره الوحيد في تلقيه المعلومة. ورأت الأستاذة في كلية التربية في جامعة نورة بنت عبدالرحمن أن أرضية الحوار مازالت خصبة، مؤكدة المضي والاستمرار في تطبيق لغة الحوار الهادف الذي يعتمد على إعمال العقل والفكر. ترسيخ القيم ويستوحي الكاتب الصحافي والتربوي يحيى الأمير أهمية الحوار في المحاضن التربوية كونه العامل الأبرز والأهم في ترسيخ قيم القبول والإيمان بالتنوع والاختلاف، مشيرا إلى أن الحوار ليس أداة فقط وإنما قيمة. وقال: من هنا يصبح للحوار أهمية كبرى ومتعاظمة للغاية، إلا أن ما هو مهم ليس تطبيقها فقط بمعنى تحويلها إلى جزء من الممارسات اليومية في مختلف المحاضن التربوية وإنما ترسيخها كقيمة عليا للتعايش وقبول الاختلاف والإيمان بالتنوع. وأضاف: هذا يعيدنا إلى مساءلة المؤسسات التربوية عن فكرها التربوي والتعليمي وإلى أي درجة يمتك القدرة أولا على استيعاب أهمية الحوار، وثانيا على ترسيخه كقيمة وكممارسة، مشيرا إلى أن ما هو قائم الآن من محاولات يكاد يكون تناولها تربويا وتعليميا بشكل وعظي أكثر من كونه تناولا مؤسسا ومستوعبا لقيمة الحوار، إذ يطغى التعامل مع الحوار كأداة على التعامل معه كقيمة. ورأى الأمير أن المأمول من المؤسسات التربوية والتعليمية إذا استوعبت قيمة الحوار أن تستوعب الأهداف والقيم الكبرى التي يؤدي إليها وتعمل على تكريسها وبثها من خلال مختلف الأدوات مع التركيز على الحوار كأداة وقيمة في ذات الوقت، معتبرا أن ما يحدث في تصوير الحوار على أنه محاولة للإقناع أو نقاش هادئ تسطيح للقيمة العليا للحوار. وأشار الكاتب والتربوي إلى أن ما تحتاج إليه المؤسسات التربوية هو استيعاب أهداف الحوار وقيمه بالدرجة الأولى. لكن الأمير يرى أننا لم نصل إلى الدرجة المطلوبة في الحوار إلا على المستوى الإعلامي، موضحا أن مستوى الممارسة والإيمان بقيم الحوار والقيم المؤدي إليها لا يزال الأمر فيه ملتبسا للغاية، إذ لا يخرج لدينا عن كونه أداة للإقناع والتخاطب بهدو، فيما الحوار يعني القبول والإيمان بالتنوع وبحق مختلف الآراء في الوجود. وبين الكاتب الصحافي أن مفردة الحوار شائعة الآن في مختلف الأوساط وهو أمر إيجابي ونجاح واسع، إلا أن المهم القيم التي يحويها الحوار ويؤدي إليها. وعن الجهة التي تتحمل وجود قصور في تطبيق هذه الثقافة قال الأمير: الرؤية التي تنطلق منها تلك المؤسسات التعليمية مسؤولة عما قد يحدث من قصور في التطبيق، وبخاصة أولئك الذين يخافون من الحوار لا كأداة بالطبع وإنما كقيمة، إذ يحضر القبول والإيمان بالتنوع والاختلاف وهو ما يمثل إشكالية لدى كثير من المؤسسات التربوية التي تحوي خطابا تقليديا يعيش أزمة مع قيم التنوع والاختلاف. وعن رفض البعض للحوار وإيجاد علاج لهذا الأمر قال الأمير: لا يتحدث أحد أبدا مهما كان رأيه عن رفض الحوار، بل الجميع يعلن قبوله له، مشيرا إلى أنه «هنا تكمن إشكالية أكثر من كونها ميزة والسبب في ذلك يعود إلى غاية كل فرد من الحوار وطريقة إيمانه به»؛ فالذين يرون فيه مدخلا للنصيحة والإقناع يقدمون في الواقع نوعا من الوعظ ولا يقدمون شيئا من الحوار، وبالتالي فبعض القناعات التي قد تسهم في عدم تقبل الحوار ليست تلك التي تقول برفضه بل تلك التي تستوعبه وتفهمه على أنه خطاب وعظي يسعى للإقناع ولا يمكن علاج هذا إلا بالعمل على تعميق فكرة الحوار وقيمته، والتي لا علاقة لها بالإقناع والوعظ وإنما تقوم على القبول والاستيعاب. الإعلام التربوي وحملت فاطمة عمر باكودح وهي مشرفة في الإدارة العامة للتربية والتعليم في منطقة الرياض الإعلام التربوي مسؤولية نشر الحوار ملقية على عاتقه الدور الأكبر في ترسيخ هذه الثقافة. وأرجعت باكودح أسباب عدم تطبيق ثقافة الحوار في المدارس والجامعات إلى عدة أسباب، منها أن طبيعة أفراد المجتمع السعودي تتسم بصفة الخجل وعدم القدرة على مواجهة الآخرين والسكوت، وعدم تطبيق منهج الحوار كقاعدة شرعية تطبيقية في الحياة، إضافة إلى تجاهل الأسرة لأسلوب الحوار كأحد الأساليب المتبعة في تربية الأبناء جعلهم يفتقدون مهارة التواصل مع الآخرين عن طريق حوار بناء وهادف. وأضافت: بعض المؤسسات التعليمية ليس لديها الإلمام الكافي بأهداف الحوار وأهميته، مما جعلها تخفق في تفعيله بالصورة المطلوبة، وأنها لا تزال تنظر إلى تعليم الطالبة بالصورة التقليدية المعتمدة على التلقين دون الاهتمام بضرورة تفعيل وتطوير قنوات الحوار وتبادل الآراء كونها الطريقة الأمثل في التعليم. حماية الأطفال دعت إعلامية تربوية في وحدة الإعلام في تعليم الرياض للبنات هياء الدكان إلى الاستفادة المثلى من مهارات الحوار في حماية الأطفال، بحيث تعطى لهم مساحة حرية ليعبروا عن أنفسهم وما يواجهونه في حياتهم. وأوضحت الدكان أن ذلك يكون بإدراج الطفل في حوارات تدريجية متفرقة وبأسلوب بسيط عن الأماكن التي يجب ألا يكون برفقته أحد فيها كدورات المياه ومن الأشخاص الذين يمكنه طلب المساعدة منهم، وهكذا ليعرف اللائق وغير اللائق. وتربيته على الاستئذان عند الدخول وعلى ستر العورة، ثم في حوار تربوي آخر عن اللمسة المقبولة وغير المقبولة. وأضافت: كما يجب أن يعلم الطفل حين يواجه مشكلات كالتحرش وغيره، مشيرة إلى أن هذه النقاشات والحوارات التربوية المناسبة مع الأطفال تغرس في الطفل مبادئ قوية، وتكون حصنا له. وأوضحت أنه إذا نجحنا في التطبيق مع المتابعة الأسرية وحث الطفل على الأعمال الطيبة والإشباع العاطفي من قبل الأسرة والمحيطين بالطفل أو الشاب وتوجيه سلوكه إن احتاج، ستمر مرحلة الطفولة والشباب بسلام. الحوار الوطني برأ المشرف على مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في منطقة مكةالمكرمة ورئيس قسم النشاط الثقافي في إدارة التربية والتعليم عبد العزيز بخش المعلمين من التقصير في ممارسة هذه الثقافة مع الطلاب، موضحا أن بعض المواد التعليمية لا تتيح أغلب الأحيان وقتا كافيا لفتح النقاش والحوار لضيق وقت الحصة الخاصة بها. وأوضح أن البرنامج منفذ في الإدارة العامة منذ ثماني سنوات على مستوى المرحلة الثانوية، مضيفا «وجدنا من الطلاب من يملك المهارة الكبيرة في الحوار وضبط عمليات المداخلة والأسئلة والدخول مع المنتدين في الحوار ومن يستطيع إدارة الحوار بين المشاركين في الطرح». وبين بخش أنه توجد نماذج متميزة للطلاب شارك بعضهم العام الماضي في إدارة تربية وتعليم مكة التي استضافت برنامجا مركزيا بهذا الخصوص وجمعت فيها تسع إدارات تعليمية من مختلف مناطق المملكة واكتشفنا نماذج رائعة أيضا. ووصف بخش البرامج التدريبية المقدمة للطلاب بالمثمرة، مشيرا إلى أن الطلاب يتفاعلون أثناء عقد الدورات فيما يتقدم الطلاب الباقون بطلب ترشيحهم لدورات أخرى وفقا لما شاهدوه من نتائج ملموسة لدى زملائهم. المشرفة على مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في منطقة مكةالمكرمة الدكتورة منيرة العكاس قالت: أوعزنا إلى المشرفات بتدريب المعلمات في مدارسهن وطبقنا هذا البرنامج على المشرفات والمعلمات والقيادات التربوية وعدد من القطاعات الحكومية وغيرها. وكشفت عن دراسة أجرتها عن تدريب على الحوار ذكرت فيها أثر التدريب على الطالبات والطلاب، مشيرة إلى أنه تم حل كثير من المشكلات وصار تناغم تام بين المعلمة والطالبة وطلاقة في التعبير بسبب الحوار. وأشارت إلى وجود تناغم أيضا بين مديرات المدارس والمعلمات، مفيدة أن كثيرا من المشكلات حلت بالحوار، إذ أنه تعقد دورة تدريبية للمعلمات والطالبات لحل المشكلات. وأفادت العكاس أن ثقافة الحوار كشفت كثيرا من السلوكيات السيئة في المجتمع وأوجدت لها حلولا مثل التحرش الجنسي والعنف الأسري وغيره، مشيرة إلى أن ذلك يأتي ببناء الثقة بين المعلمة والطالبة بعد وجود الراحة النفسية بينهما. منهج صفي أوضحت مساعد الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وفاء التويجري، أن الوصول لكفاءة المخرجات يستلزم تدريب القيادات التربوية والمعلمين والمربين، مشيرة إلى تصميم مشروع تفعيل الحوار التربوي ليشمل التدريب على الحوار تشترك فيه المعلمة والطالبة والأم وفق خطة توطين التدريب داخل المدرسة، تشارك فيها الوكيلة والمرشدة الطلابية والمشرفة التربوية. وعن إدراج الحوار كمنهج صفي، أوضحت التويجري أن الحوار مهارة للحياة، الأمر الذي جعل التدريب عليه سعيا لتحقيق هدف سامٍ يجعله سلوكا يوميا يمارس في كل مكان. وأكدت التويجري أن تطبيق الحوار في جميع المواد الدراسية والمقررات الجامعية أمر ممكن، كما أن دمجه في الأنشطة غير الصفية موجود في خطط النشاط الطلابي وهو يطبق بدعم وتشجيع من القيادات العليا في وزارة التربية والتعليم. ويكشف مدير إدارة التدريب في المركز عبد الله الصقهان، أنه سيتم إطلاق حقائب تدريبية جديدة لتطبيق الحوار التربوي بشكل جيد. وأفاد الصقهان أنه ستتم زيادة عدد المدربين إلى 1780 مدربا، إضافة إلى توطين التدريب جغرافيا وإداريا. ووصف الصقهان نتائج التدريب بالمشجعة، مشيرا إلى أن أغلب المتدربين على الحوار اقتنعوا جيدا ببرامج التدريب، في حين أن البعض يحضر بعين ناقدة ثم يؤيد المشروع تماما ويتحول إلى شخص داعم. أما مدير عام إدارة الدراسات والبحوث والنشر في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الدكتور محمد بن عبد الله الشويعر، أوضح أن عدد المستفيدين من الطالبات والطلاب في مختلف مناطق المملكة من الدورات التدريبية بلغ أكثر من 250 ألف مستفيدة ومستفيد، مشيرا إلى أن مذكرة التفاهم التي وقعها المركز مع وزارة التربية والتعليم في الأعوام الماضية أسهمت في تفعيل الكثير من البرامج التدريبية، إذ نفذ المركز 34 برنامجا تدريبيا في 13 منطقة، خاصة بالمعلمات والمعلمين وخرجت 903 مدربات ومدربين معتمدين من قبل المركز، سيتولون تدريب الطالبات والطلاب من جميع المراحل الدراسية، ويسهمون في نشر ثقافة الحوار، كما أن المركز وقع مذكرات تفاهم أخرى مع عدد من الجامعات لتفعيل برامج الحوار المختلفة ومنها التدريب على مهارات الاتصال في الحوار، فيما نفذ أيضا دورات تدريبية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية.