كأسطورة من أساطير الإغريق التي عشناها شبابا على رواية الأستاذ المبدع دريني خشبه -رحمه الله-، عاشت الملكة نازلي وماتت في منفاها بعد أن فقد ابنها الملك فاروق عرشه، عاش جيلنا يصغى إلى سيل وافر من الأخبار عن هذه المرأة الحديدية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس في زمانها، وها هي تشغلهم بعد وفاتها ب30 عاما بهذا المسلسل الذي تسمر المشاهدون والمشاهدات في أنحاء العالم ليطلعوا على سفر حياتها وما أطوله وأعرضه. وقد أولعت في كتاباتي التاريخية بالمقارنات بين شخصيات التاريخ، أضف إلى ذلك أن أميل إلى الرأي أن التاريخ يعيد نفسه عبر شخصيات جديدة أما الأحداث فتتكرر، وأفضل ما قرأت من كتب المقارنات ما كتبه الكاتب القدير فلو طرخس (بلوتارك) الذي عقد المقارنات بين عظماء اليونان والرومان. وقد نظرت إلى حياة الملكة نازلي فلم أجد امرأة تشبه سيرتها قبل فاتنة البشكنس الملكة صبح الأندلسية، تزوجت صبح بالحكم بن الناصر وكان فاروق السن بينهما كبيرا، وكذلك كان الملك فؤاد يكبر زوجته نازلي ب30 عاما، وصبح أنجبت ولدا واحدا هو هشام المؤيد بالله وكذلك نازلي أنجبت ولدا واحدا هو فاروق، وصبح وقعت في غرام الوزير محمد أبي عامر الذي اشتهر بعد ذلك باسم الحاجب المنصور بن أبي عامر، وكما زال المجد وهالة الملك والسلطان عن صبح، عاشت نازلي حياة العوز والفاقة بعد سفرها خارج بلادها. بعد هذه العجالة، ننتقل إلى النقد الفني للمسلسل الذي تناول حياتها «ملكة في المنفى» ويقيني أن هذا العمل متميز أولا على مستوى الإخراج والسيناريو ثم على مستوى التمثيل، أما السيناريو فقد كتبته الأستاذة راوية راشد في كتابها الذي صدر قبل سنوات بعنوان «ملكة في المنفى» وأتبعته بكتابة السيناريو، وراوية راشد بدأت حياتها مذيعة متميزة في الإذاعة المصرية ثم قامت بالاطلاع على سيل كبير من الوثائق والأخبار، وقد حاولت أن تكون موضوعية في عرضها لشخصية نازلي ومبادئها في الأربعينيات وتوسطت بين القبول لمطلق للروايات والرفض التام. أما الإخراج فقد تحدثت في العام الماضي عن هذه المدرسة الجديدة في سورية التي وصل فيها الإخراج إلى التفنين الأكاديمي على يد محمد زهير رجب ونجدت أنزور وباسل الخطيب، ومخرج المسلسل محمد زهير رجب (سوري من أصل تركي) وقد درس الإخراج في تركيا وقد أخرج لنا رائعته الشهيرة (ليلى مراد). ونبدأ من ناحية التمثيل ببطلة العمل الفنانة القديرة نادية الجندي وقد كان اختيارها موفقا، وهناك تشابه بين الشخصين فقد تزوجت نادية الجندي وهي في ال16 من عمرها أيضا برجل يكبرها ب30 عاما هو عماد حمدي -رحمه الله-، وقد سبق أن تألقت في كثير من الأعمال الفنية من أمثال الحرافيش وشهد الملكة وحكمت فهمي، أما في دور الملكة نازلي فأستطيع أن أقول إن اختيار المخرج كان موفقا، فقد أحسنت أداء الدور لأنها درست الشخصية التاريخية وفهمتها ثم نقلتها إلى عالم التمثيل، وقد يرى بعض النقاد أن المرحلة العملية التي تمر بها نادية الجندي ولكن المستوى الفني أستطاع أن يتغلب على هذه النقطة وهي صحيحة. أما كمال أبورية الذي أدى شخصية أحمد حسين باشا فهو حفيد الكاتب محمود أبورية وابن أخ المطرب الشهير كارم محمود واسمه كارم محمود أبورية، أعجبني منه إبراز ناحية الرصانة والهدوء وكان يتميز بها أحمد حسنين باشا، وقد فشل المسلسل في إبراز شخصية لطيفة هاشم، إخراجا وتمثيلا، فضلا عن أن الأميرة لطيفة هاشم كانت مائلة إلى السمنة بينما اختار المخرج امرأة غاية في النحول، فضلا عن أنها ممثلة مبتدئة أما حسام فارس -وهو الممثل الذي أدى دور الملك فاروق- فقد كان أداؤه ضعيفا ويكفى أن نقارنه بالفنان المبدع تيم الحسن في مسلسل الملك فارو ق حتى يتضح فارق الموهبة لا الخبرة، كان حسام فارس في بعض المقاطع أقرب إلى من يقرأ النص لا من يمثله، فضلا عن أن كاتبة الرواية والسيناريو لم تحاول إظهار فاروق بصورة مقنعة. وقد أبدعت فايزة كمال في أداء دور سميرة زوج شريف باشا صبري، وفايزة كمال تمثل نازلي طويلا في أداء الشخصيات التاريخية يساعدها على ذلك إتقانها الملحوظ باللغة العربية وقد كان لها حضور مسرحي قوي قدمت فيه بعضا من مسرحيات سعد الله ونوس، أما نجم المسلسل المتميز فهو الممثل الواعد شريف سلامة الذي تألق العام الماضي في دوره في مسلسل حرب الجواسيس، وهو الآن يضيف نجاحا إلى نجاح في دور رياض غالي، وسيكون بلا شك ذا مستقبل كبير في عالم الفن، ومن يدري بعد نجاح مسلسلات الأعلام فقد نرى في الأعوام المقبلة مسلسلات عن كثير من الأعلام من أمثال محمد علي باشا والخديوي إسماعيل والملك فؤاد وأحمد بن بلا والملك محمد الخامس والملك غازي وأحمد شوقي والعقاد وغيرهم.