سجل العقد الأخير تصاعداً في المسلسلات التي تتناول شخصيات معاصرة وقد سبقها تصاعد آخر في المسلسلات التاريخية . وكان مسلسل أم كلثوم الذي قامت ببطولته الفنانة القديرة صابرين نقطة تحول في الدراما العربية ولا أقول المصرية . وقد وجد هذا الاتجاه قبولاً من الجماهير العريضة في عالمنا وقد ذكرت طرفا من ذلك في مقالي عن مسلسل الملك فاروق والذي قام ببطولته الفنان تيم الحسن . بل إن النخب الثقافية أيدت هذا الاتجاه فظهر عديد من الكتاب العرب يطالبون أن تقدم الشخصيات المعاصرة في قالب درامي . أذكر من ذلك قول الأستاذ صلاح عيسى : " ومن الإنصاف لبعض من قدموا هذا النوع من الدراما التلفزيونية التي تدور حول سير الشخصيات المعاصرة، الأدبية والفنية والسياسية، ان نعترف لهم بأنهم اسهموا الى حد ما، في إحياء الذاكرة الوطنية والقومية وفي اثارة اهتمام الجيل العربي الشاب، بتاريخ امتهم المعاصر وإذا كان من حقهم علينا ان نقر بأن ما يقعون فيه من اخطاء، هو اخطاء كل بداية، وسذاجة كل ريادة فمن واجبنا ان نقول لهم انهم عليهم ان يمتلكوا الأدوات التي تمكنهم من تقديم دراما تاريخية . وقد قدمت الفضائيات هذا العام سيلا من هذه المسلسلات التي يطيب لي ان اسميها دراما سير الشخصيات المعاصرة، منها علي مبارك مؤسس دار الكتب المصرية والمفكر التنويري الشهير والذي قام ببطولته الفنان كمال أبورية، ومسلسل جمال عبدالناصر الذي كتبه يسري الجندي وقام ببطولته الفنان الصاعد مجدي كامل ولا أريد أن أتحدث عن المسلسلين ذلك لأنني سأفرد مقالا خاصاً لكل منهما . ومن هذه المسلسلات مسلسل البطل عودة ابي تايه الذي أخرجه التلفزيون الأردني بماله من امكانيات هائلة في تصوير البادية العربية ومسلسل لورنس العرب وغيرها . وقد فضلت ان ابدأ حديثي بمسلسل اسمهان وذلك لأنني اعتبره افضل مسلسل قدم في رمضان ولم يأت هذا ا لنجاح من فراغ فقد اعتمد نجاحه على عدة محاور . أما المحور الأول فهو النص أو السيناريو فقد مرت كتابة نص هذا المسلسل على مراحل متعددة كثيرة وقد تم إعادة الكتابة أكثر من مرة . . فقد زار ذات يوم الفنان فراس إبراهيم صديقه الكاتب قمر الزمان علوش فاقترح أن يلقي فراس نظرة على مسلسل من تأليف الأول عن المطربة الكبيرة أسمهان رحمها الله وطلب منه أن يجتمع مع شريكه في كتابة المسلسل الاستاذ ممدوح الأطرش . قرأ فراس النص فأعجب به واجتمع مع الكاتبين واشترى منهما حقوق الإنتاج وليت شعري ماذا سيقول الكاتبان بعد أن حقق المسلسل هذا النجاح الكاسح فلا شك عندي انهما قد ندما على ما فعلا . توجه فراس ابراهيم الى مخرج الروائع نبيل المالح . هنا اعاد نبيل المالح كتابة النص ولكنه رأى بعد كتابة النص ان اخراج العمل يحتاج الى وقت طويل مما اغضب فراس ابراهيم وترك التعاون مع المخرج المالح . اخذ النسختين فعرضهما على المخرج باسل الخطيب الذي اعتذر بدوره لظروف عمله في مسلسل جمال عبدالناصر . لجأ اخيرا فراس الى المخرج التونسي شوقي الماجري فوافق مع ضرورة تعديل النص فتم الاتفاق على الكاتب الكبير بسيوني عثمان والذي كتب النص بهذه الصورة الرائعة ولكنني فوجئت ان المسلسل قد اعتمد اعتماداً كبيراً على كتاب واحد وهو كتاب الاستاذ محمد التابعي عن اسمهان ولم يقم الكتاب المتعاقبون بجمع معلومات اخرى عن اسمهان . وخطورة الاعتماد على محمد التابعي ان التابعي كان في كتاباته عن معاصرية يفتقد الى الموضوعية ويميل الى الاثارة واخشى ان ما ذكره عن اسمهان انها تشرب الخمر ليس الا من شطحات قلمه كما ذكر عن فاروق نفس الشيء ثم فوجئ الدارسون ان فاروقاً لم يكن يعاقر الخمر . أما محور النجاح الثاني فهو شخصية أسمهان فأنت أمام شخصية قد سكنت وجدان المواطن العربي فقد كانت مطربة قديرة ذات موهبة فذة لدرجة ان انقسم الناس في زمانها في المفاضلة بينها وبين ام كلثوم . وقد كان عباس محمود العقاد يفضل صوت اسمهان على صوت ام كلثوم رغم تقديره لصوت الأخيرة . بل من أغرب المصادفات ان العقاد ارسل خادمه الشهير احمد حمزة ليشتري له آخر اسطوانات اسمهان فذهب ورجع حزيناً فقد اعطاه البائع صحيفة البلاغ الأسبوعية التي تنعى اسمهان في حادثة الترعة الشهير . وقد نما الحب والتقدير بين المطربتين ونشأ تنافس طبيعي كما ينشأ في مثل هذه الظروف وكانت أم كلثوم تطلب من صديقها محمد القصبجي أن يسمعها اللحن الذي يلحنه لأسمهان قبل ان يعرضه على اسمهان ولكن التنافس لم يتحول الى عداء أو كراهية وذلك للطبيعة الطيبة للمطربتين الكبيرتين . ولم تكن أسمهان مجرد مطربة ولكنها تنحدر من أب عربي صميم من آل الأطرش والذي يزخر تاريخهم بالنضال ضد الفرنسيين وفي مقدمتهم البطل سلطان الاطرش وهو ابن عم والد اسمهان . وأمها شخصية درامية فالأميرة علياء المنذر تنحدر من أسرة عربية صميمة وقد كانت ذات صوت جميل وقد منحت ابنتها أسمهان التشجيع حتى فجعت بموتها في حادث الترعة الشهير . وقد رحلت هذه الأم القوية الشخصية مع ابنتها الى مصر ومعها ابناها فريد الأطرش وأخوه الأمير فؤاد الأطرش . والعدوة الكبرى لأسمهان هي ايضاً شخصية درامية وأقصد بها الملكة نازلي التي رأت انجراف عشيقها احمد حسنين لهذه الفاتنة القادمة من الشام . أما المحور الثالث للنجاح فهو مخرج العمل المخرج التونسي شوقي الماجري وهو مخرج ابدع كثيرا في المسلسلات التاريخية، المشرقية وقد قام باخراج المسلسل تصويرا واداء على طريقة الأفلام فكان ذلك تجديداً يحسب له في عالم الفن . وأعرج في نهاية هذه الكلمة عن الممثلين وأبدأ بالممثلة السورية سلاف فواخرجي التي كانت أكثر من رائعة في هذا المسلسل فقد ابتعدت عن المبالغة وهي اسوأ ما يقع فيه من يقوم بالأدوار التاريخية . وقد ابدع ايضا أحمد شاكر في دور الفنان فريد الأطرش . وقد ضعف أداء يوسف شعبان في دور أحمد حسنين باشا وكذلك الممثلة التي قامت بدور الملكة نازلي . ولعل النجاح الذي حققه هذا المسلسل يدفع المنتجين الى مزيد من هذه الدراما التلفزيونية فنرى مسلسلات تتناول محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ونجاة الصغير وعباس محمود العقاد وبيرم التونسي وأحمد شوقي الذي أعلم أن نصا قد كتب وان المنتج لا زال في طور البحث عن مخرج .