كان الوقت ثمينا جدا لدى الكاتب الآيرلندي الشهير جورج برنارد شو إلى درجة أنه كان غيورا جدا على الوقت، حيث تروى سكرتيرته أنه قال لها بعد أن تناول غداءه وأحس بالشبع: «يجب أن أستغني عن الغداء: تأملي كم من الوقت أنفق عليه في الطبخ والغسل. وهذا بعد فطور جيد. هذه سخرية»! وكان العبقري «برنارد شو» يكره الحديث وقت عمله، فكان إذا احتاج إلى شيء من شخص آخر في غرفة مجاورة كتب إليه سطرا، فيجاوب الآخر عليه بسطر، ثم تجرى مكاتبات بينهما كأن محيطا بين قارتين يفصل بينهما! وعندما كثرت الرسائل والبرقيات لتعزية «شو» بوفاة زوجته لم يتردد في نشر هذا الإعلان الطريف في الصحف الإنكليزية: «تسلم المستر برنارد شو مقدارا هائلا من الرسائل والبرقيات بمناسبة وفاة زوجته. وهو مع أنه قد قرأها وقدرها جميعا، فإنه لن يحاول الرد عليها لأن هذا فوق طاقته. ولذلك فإنه يرجو أصدقاءه وأصدقاءها بأن يرضوا بهذه الإجابة العامة، كما أنه يؤكد لهم أنه في انتظار النهاية السعيدة جدا، لعمره الطويل، يحيى الآن في هدوء كامل». ولم يكن هذا الإعلان الطريف سوى مجرد نموذج آخر لطريقة تعامله مع الوقت وليس لأن ذلك فوق طاقته. وفي إحدى المرات طلب منه أن يعلق على هذا الفراغ القاتل الذي يعيشه الكثير من الشباب وإضاعتهم لأوقات ثمينة من حياتهم في لهو فارغ وأحيانا في لا شيء، فقال: «إن القاعدة التي يقول بها الطبيعيون: (الطبيعة تكره الخواء) تنطبق أيضا على رأس الإنسان. إذ ليس هناك رأس فارغ.. فإذا أنت تركت زاوية صغيرة فارغة في رأسك لحظة واحدة فإن آراء الناس غيرك ستندفع إلى ملئها.. من الإعلانات والجرائد، والكتب، والقيل والقال والخطب السياسية، والقصص والدرامات.. فيجب أن تحرص على أن تفكر بنفسك ما استطعت». وسئل «شو» عند بلوغه التسعين إذا كان هانئا بشيخوخته، فأجاب بالإيجاب، وأنه لو لم يكن هانئا لانتحر وانتهى من حياته، وكان لا يكف عن الدرس والعمل وفقا لحكمته التي قال فيها: «إننا يجب أن نستهلك كل ما فينا من قوة قبل الموت وأن نستفيد من كل وقتنا، وأن نذهب إلى القبر ونحن (خردة) أي ليس فينا عضو سليم نأسف على دفنه»! هذه هي بعض دروس بسيطة وجميلة، بل وبليغة من رجل عظيم لعل بعض البشر الذين يهدرون الوقت ويضيعونه في الهباء يمتلكون ولو بعض الشجاعة ويعترفون بتلك الجريمة. [email protected]