لم أحرص على لقاء الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك الحربي بحثا عن تكرار ما ظل يردده في مختلف لقاءاته ومحاضراته وإضاءاته التلفزيونية، أو من باب الفزعة لأمنحه ما لا يستحق، قدر حرصي على فتح كل الأبواب لصاحب قضية وطنية تهمنا جميعا في هذا الوطن الكبير.. فالرجل الذي ظل ينافح منذ عقدين أو أكثر لترسيخ مبدأ المواطنة على أرض الواقع ويدق على حديد ساخن يمكن أن ينكسر في أية لحظة، يتحرك مدعوما برؤية ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله في كلمته لأهالي القصيم (سبق لي أن قلت وأكرر أمامكم الآن أن هناك أمرين لا يمكن التساهل فيهما وهما شريعتنا الإسلامية ووحدة هذا الوطن.. وأصارحكم القول إنني أرى أنه لا يتناسب مع قواعد الشريعة السمحة ولا مع متطلبات الوحدة الوطنية أن يقوم البعض بجهل أو بسوء نية بتقسيم المواطنين إلى تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان).. كلمات ينبغي أن تتسع لها حدقة كل مسؤول كما يقول الدكتور مرزوق ليرى الوطن بكل أفراده وطوائفه لا بعين ضيقة يتوقف مداها عند حدود الإقليمية والمصلحة القبلية والعلاقات العائلية.. حذر من انحسار الطبقة الوسطى التي تضمن توازن المجتمع، وقال بأن الوطنية ليست كتابا يدرس وإنما شعور بالأمن والعدالة وتكافؤ الفرص.. وطالب بمشروع وطني لاختيار القيادات التنفيذية وبإيقاف معارك الإلهاء والتصنيف في وسائل الإعلام بين المتشددين والمثقفين، كما دعا إلى إنشاء لجان متابعة لتنفيذ قرارات الحوار الوطني.. حوار شائك لم أجد فيه منفذا للخروج إلى دوائر أخرى أكثر تحديا مما يشغل رأس (بن تنباك)، فأثرت السير في نفس الاتجاه تاركا له فرصة وحيدة ليمسك زمام المبادرة حين قال: عوارض التحدي ظهرت في حياتي منذ الصغر بدءا من إصابتي بمرض في عيني كاد يذهب بنورهما، وانتقال والدي من المدينة واستقراره بعيدا عن المدارس فكان علي أن أواجه الخيار بين الدراسة أو الانقطاع وإن كنت شعرت بشيء من الحرية والانطلاق من قيد الالتزام، فأصبحت أنتقل إلى والدي حيث يقيم، أو أعود للمدينة إذا شئت على مدى ثلاث سنوات استمعت فيها بعد مغرب كل ليلة على ضوء النار درسا من شيخ (عارفة) مجرب ليحدثني عن الأعراف والتقاليد وسلوم الناس، ولم يصرفني عن هذا الواقع سوى لقائي بأحد الزملاء وقد حقق خلال السنوات الثلاث نجاحا كبيرا، حيث دخل معهد المعلمين الابتدائي وتخرج فيه وأصبح يقبض راتبا مغريا لأمثالي ويقتني أفخم وسائل المواصلات الخاصة (موتر، سيكل) بينما أتمتع أنا بحرية الانطلاق وفراغ الجيب، ومن تلك اللحظة قررت التنازل عن الحرية وعدت للدراسة حتى انتهت الثانوية العامة فرغبت في إكمال الدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة، إلا أن من نظر في قبولي من المشايخ رأى (أن علامات الورع المطلوبة ليست ظاهرة علي كما يجب)، ودعا لي بالهداية من الله وبالتوفيق في غير جامعته. فحاولت الدراسة في جامعة دمشق، وهناك رأى من قابلني أيضا (أن جامعته لا تستطيع نفض آثار السلفية الذي رآه بكثافة كبيرة في رأسي). ورجا لي العودة إلى الوطن سالما، ولم يكن من قابلني بكلية الشريعة بمكة المكرمة بأحسن استقبالا منهما فاتجهت إلى جامعة الملك سعود (الرياض) سابقا فكان لي فيها أوفر الحظ والنصيب. • اسمح لي بداية أن أتساءل عن سر التسمية الغريبة بصراحة؟ هي فعلا مأخوذة من كلمة تنباك يعني (الدخان) في تلك الفترة التي كان فيها أحد جدودي مشهورا به فالتصقت بنا، وهذا أمر نقوله ولا نخفيه وهو اسم مستغرب ولكن العرب تقول إن الاسم يحمله من يحسن عيبه. • البعض يقول إنك تنطلق في مطالباتك وآرائك من بوابة المشيخة، ورغبتك السابقة في أن تكون محاميا؟ المشيخة انتهت ولا دخل لي فيها، أما المحاماة فكانت رغبة تخصص ويضحك على نفسه من يعيد مثل هذه القضايا. وفي المملكة لا يجمع الناس إلا المواطنة بغض النظر عن خلفياتنا الاجتماعية التي جئنا منها، وليس من أهدافي أن أجعل هذه الخلفيات مرتكزات لي، بل إن كلامي موجه إلى من يريدون أن يكونوا هم القمة ومن بقي هم قاع المجتمع، فهذا غير طبيعي في مجتمع فيه كفاءات وقدرات كل يريد أن يقدم شيئا لمجتمعه. • ماذا تقصد؟ أنا أدعو إلى المواطنة، وأهم ما تقوم عليه الدولة هو العدالة الاجتماعية والمساواة، بحيث يكون المواطنون متساوين في الحقوق والواجبات مما يضمن صلاح الناس وصلاح الوطن، فالمملكة قارة وليست إقليما وهي أكبر من أوروبا الغربية مساحة وكانت المملكة تتكون من أجزاء متناثرة وأصبحت دولة واحدة ووطنا واحدا وشعبا واحدا وأرضا واحدة وانتماء واحدا. • ولكن الثنائيات موجودة في كل مجتمع؟ بل موجودة حتى بين أفراد الأسرة الواحدة والقرية الصغيرة ومن ثم فإن قيام الثنائيات في المجتمع له جانب إيجابي، ولكن بشرط أن لا يتعلق بالحقوق، ولا أستطيع أن أقول لشخص من قرية أن يتنكر لقريته ولا ينتمي إليها والأمر كذلك لمن ينتمي إلى عشيرته أو قبيلته فلا يمكن أن يتنكر لها. • هذا كلام جميل يا دكتور، لكن كيف يمكن تطبيق ذلك؟ أنا لا أتحدث بهذا التدقيق. والموضوع ليس جديدا فأنا أتحدث به مع الذين أظن أنهم يستمعون لما أقول منذ ثلاثين سنة، فهناك واجب على كل مواطن أن يقدم ما يستطيع وأن لا تكون هناك فئة واحدة تستأثر بكل ما يمكن أن يطمح إليه المواطنون. وأنا بكل بساطة أطالب بأن تكون هناك عدالة اجتماعية لكل فرد. • في الحوار الوطني؟ لي رأي في هذا الموضوع، فالحوار الوطني كمفهوم وقيمة فكرة جيدة وبدايته كانت موفقة لكنه أصبح اجتماعا للناس ليقولوا ماشاؤوا في جلسات نقاش وهذا شيء طيب، لكنه يظل بلا ثوابت يتفق عليها المتحاورون وتنشر وتؤطر. • ماهي مشكلتك مع موضوع المواطنة؟ أنا ضد التصنيفات الاجتماعية وانشغال الناس بأشياء لا قيمة لها، فالمسموح به أن يهاجم المثقفون الإسلاميين والعكس وهذه لعبة إلهاء إعلامية لأنهم لا يتكلمون عن حقوق واستراتيجيات الوطن وعندما نترك الفرصة لكل طرف ليتحدث عن الآخر فإننا نكرس الثنائيات في المجتمع. • وما رابط هذا الأمر بما قلته من أن خلو أي منطقة من تنفيذي ينعكس عليها في كل المجالات؟ عندما يتخذ القرار إنسان لا يعرف منطقتك ولا عاداتها ولا تقاليدها فإنها تدفع ثمن هذه القرارات. • هذه شوفينية مطلقة وكأنك تنفي أهمية الكفاءة؟ أنا أقصد أهمية تمثيل أبناء المنطقة المختصين في الإدارات الخدمية. • لكن هذا يحدث في كل مناطق العالم؟ ليس صحيحا هذا الكلام والعالم لا يوجد فيه إلا التمثيل، وفي مناطق العالم لا توجد منطقة لا يمثل فيها أحد، وفي ظل عدم وجود مؤسسات مجتمع مدني فالذي يقوم مكانها القرار السياسي. • أو رؤية ثاقبة من وزير؟ لا تكفي. • والتمثيل الذي نراه في مجلس الشورى؟ المجلس صاحب رأي. • ألم تخلق لك هذه الآراء متاعب أو مضايقات؟ بل على العكس، فأنا أجد ثناء على ما أقول من كل الفئات، وقد واجهت من أظن أنه يغير وقلت هذا الكلام كله ومازلت أقوله، وحتى عندما يتم تعيين فلان وفلان في منصب تجد أن الصحف تنشر احتفالات القرية الفلانية أو القبيلة بتعيين فلان مثلا بإعلانات وخلافه، فهل هذا من السلم الاجتماعي. • لكنك نفيت وجود نظام ومؤسسات مجتمع مدني يا دكتور؟ لدينا أحسن وأدق أنظمة في العالم، لكنها ليست مفعلة تماماً، أما المجتمع المدني فأرى المسافة بعيدة عنه اليوم، وأتحدث عن إتاحة الفرص للجميع في كل المجالات بغض النظر عن الانتماء لمؤسسة مجتمع مدني أو إقليم أو قبيلة. • المشكلة في التنفيذيين تحديدا؟ بصراحة نعم. ونحن بحاجة لمشروع وطني لاختيار القيادات الإدارية التنفيذية بما يمثل القاعدة العريضة من المجتمع. • وهل الواجب على كل مسؤول تنفيذي أن يعمل على العدالة في جهته بحيث تمثل كل المناطق؟ نعم.. يجب أن يضع في باله أن ممارسة الوظيفة العامة تتطلب أن ينظر للناس سواسية. • تعتقد أن هذه الأساليب عمقت التصنيف داخل المجتمع؟ الطبقية غير موجودة في مجتمعنا ولم تتكون حتى الآن ولله الحمد، ولكن لدينا تصنيفات صارخة نعاني منها بشكل حاد، وهذه الأمور لا تحل إلا بالمواطنة التي تعتبر رابطا بين كل هذه الأمور. • نحن ندرس الوطنية لأبنائنا؟ الوطنية تكتسب ولا تدرس، وهنا تأتي المواطنة بالشعور وهي مثل الروح في جسد الإنسان لا يمكن أن تصفها. • ومن يملك صك الوطنية في رأيك؟ كل إنسان يستطيع أن يملك هذا الصك بشرط أن يعبر عن وطنيته بلسانه عندما يرى أن هناك حيفا أو جورا على حقوق المواطنة. وكان من المفترض أن يذيب التعليم واجتماعنا على مدى ثمانين عاما في دولة واحدة آمنة ومستقرة وثرية كل الثنائيات التي بيننا، بل ويصهرها في مسمى المواطنة الجميل، ولكن نتيجة للفرص الكبيرة في المكاسب فقد ارتد الناس إلى ثنائياتهم فأصبح هناك بون شاسع، ولم تعد لدينا طبقة وسطى تضمن توازن هذا المجتمع. • هل نحن بحاجة إلى تحولات جديدة؟ لا.. نحن أحوج ما نكون لقرار حازم ورشيد. • في هذا الجانب هل أصبحت القبيلة مشكلة مجتمعية الآن؟ لا يوجد إنسان مقطوع من شجرة، والإنسان إما منتم إلى إقليم أو قبيلة. والقبيلة ما هي إلا مجرد أفراد مواطنين، وجزيرة العرب منذ أن خلقت بنيتها الأساسية هي القبيلة، فتجريمها وتصنيفها وإلقاء كل خطأ عليها لعبة سياسية ليست من الوطنية وتجريم للوطن كله، والمجتمع كله نسيج اجتماعي من أبناء القبائل. إذن لماذا بدأنا منذ فترة قصيرة نعلن الخطر من عصبية القبيلة؟ لأنها ما جاءت إلا بعد أن أصبح كثير ممن ينتمون إلى القبائل أناسا لهم دورهم مثل أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء ورجال الأعمال، ومن ثم فكيف نحيدهم ونبعدهم سوى برفع شعارات القبيلة، ولا يخرجنا من كل هذا سوى المواطنة. • قل لي من أين أنت أقل لك ما هو سبب الإخفاق. ما هذه السوداوية في حديثك؟ هذا صحيح، فالأمور ليست طبيعية، وهذه ليست ممارسة لعمل وطني بل تصنيف كارثي على المجتمع، ونحن لا نريد للمواطن أن يعود إلى مرحلة القبيلة غصبا بتضييق الفرص أمامه فتكون متفاوتة أو محصورة. • مادمت ترفض التصنيفات فأنت ترفض الواسطة أيضا؟ لا أذكر في حياتي أنني استفدت من واسطة أحد وليس هناك عمل محوري كانت الواسطة عاملا فيه أبدا. • وهل يمكن أن تتحول هذه الرؤى والمواقف التي تعلنها إلى مشروع؟ أنا أستطيع أن أقول رأيي وأبين الخطأ والخطر الذي يواجهنا من الداخل، ونحن مطمئنون تمام الاطمئنان ولله الحمد أن هذه البلاد آمنة مستقرة بولاة أمرها وبما لديها من الثراء الذي منحه الله لها في باطن أرضها ما يغنيها. • دكتور.. هل تراجعت عن رأيك في قضية الوأد أمام الهجوم المتواصل عليك؟ الوأد كتاب فكري طرحته في السوق وأتركه لمن يناقشه ولا أريد أن أعلق عليه من خلال الصحف. • رغم وقوف بعض العلماء مع وجهة نظرك؟ أنا أشكرهم ولكنني أعتبر الكتاب بحثا علميا أكاديميا رصينا لا يطرح للقارئ العادي. • ليس لديك أي مراجعات جديدة بشأنه؟ آخر من كتب عنه الدكتور زيد الفضيل في إحدى الصحف ومن عادتي إذا أصدرت عملا تركته ولم أدافع عنه فكتاب (العربية والفصحى) الذي فاز بجائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج منذ 25 سنة لم أكتب حرفا بعده مع أنه كتب عنه الكثير والمجال أمام دعاة الفكر لمهاجمته والدفاع عنه. • مع أنك رجل متخصص في الأدب وتؤمن بالتخصص لكنك تفتي وتشاكس؟ أنا لست مشاكسا ولا مفتيا، ولكنني أعرف في الشريعة مثل ما يعرف عامة المثقفين، ولي قراءات فيها وأتحدث عن أشياء ظاهرة ومعلومة، والتخصص في الجانب النظري واحد أما التخصص في الدين والإسلام فلا معنى له لأنه مطلوب من كل مسلم أن يعرف الحدود وما يتعبد به. • لو فتح الباب بهذه الصورة لاختار كل شخص أن يتعبد على هواه؟ كل إنسان لابد أن يعرف الثوابت ليصلي ويصوم ويحج ولا يحتاج أن يذهب ليسأل عنها. • مابقي إلا يختارونك عضوا في الهيئات الشرعية؟ حتى لو اختاروني فلن أقبل لأنني لست مؤهلا لأكون منهم، ولكنني قارئ وأعرف ما يعرفه هؤلاء. • الغريب أنك لم تكتب شيئا في المعركة الطاحنة بين المثقفين والمتشددين؟ هذه معركة للإلهاء وأنا قضيتي المواطنة وحقوقها وهذا الوطن بغض النظر عن هؤلاء الناس الذين نجتمع معهم في دولة ودين وعلى أرض واحدة. ولم أكتب شيئا مع المثقفين في ما يطرحونه ضد المتشددين لأنني لست مقتنعا بها. • لكنك قلت إن الأدب الإسلامي بدعة؟ هذا غير.. فالمنطقي في الأدب الإسلامي من باب العلم به، فأنا ضد التصنيف في الأدب الذي نشأ في الجاهلية ومع الإسلام لم نعرف أنه صنف إلى يومنا هذا. صحيح أنهم يقولون هذا شاعر جاهلي وهذه معلقات جاهلية ومصطلح الأدب الإسلامي رفضته تصنيفا وليس مبدأ، ولعلمك فأنا أرفض حتى التصنيفات الدينية فهي من الثنائيات المكروهة في بناء الناس. • وتعتبر الشعر النبطي رجعية؟ هو عادات وتقاليد وقيم ولهجة فيها كل قيم الشعر الفصيح إلا اللغة وكتابي ليس ضد الشعر وإنما ضد الفكر. • مع أنك خريج مدرسة الشعر العامي؟ بدون شك بيئتي عامية وعشت في البادية وأعرف العامي أكثر من الفصيح. • ومتى يمكن أن يتغير واقع أن العامية فكر والفصحى لغة؟ نحن بحاجة إلى تغيير كثير من أفكارنا. فالإنجليزية هي الكارثة الآن وليست اللغة العامية، وهناك امتهان لكرامة وهوية الإنسان وليس اللغة فعندما تستخدم خليطا من الكلمات من مختلف اللغات فأنت تمتهن هويتك. • ولذلك تعارض تدريس الإنجليزية في المدارس الابتدائية؟ أعارضها كلغة بديلة لا كلغة موازية في مراحل بعد الابتدائية. • نحن نعارض تدريس العلوم باللغة العربية في جامعاتنا؟ لا توجد دولة في العالم تدرس بغير لغتها إلا في العالم العربي حيث تدرس الفرنسية في الشمال والإنجليزية في مناطقنا وهذا فقدان للهوية، مع أن دولة صغيرة مثل ليتوانيا استقلت عن الاتحاد السوفييتي منذ عشر سنوات وعدد سكانها لا يتجاوز ثلاثة ملايين وتدرس بلغتها الليتوانية، فكيف بدول عربية وتاريخها طويل ثم تدرس بالإنجليزية هذه نتائج الانحدار الثقافي في العالم العربي والهبوط الهائل في معنويات هذا المجتمع. • هذه الموضوعات طرحت عندما كنت عضوا في لجنة وضع المناهج، فلماذا لم تعترض عليها؟ طرحت كاجتهادات ورفضتها، والجامعات الآن تدرس باللغة الإنجليزية لطلاب يعودون لمجتمعهم العربي بعد أن يتخرجوا فتنسى القضية، وأنا ضد هذا الكلام ولكنني لا أستطيع أن أعمل شيئا. • ما شاء الله عليك، لكنك تبادر إلى نسف المسلمات؟ بعض المسلمات ليس عليها دليل ولدينا مسلمات أخذناها تتابعا مجرد توارث ورواها بعضنا عن بعض وليس لها أصل فأتحدث عنها، مثل مسألة الوأد فهذه من المسلمات. وأنا في الجامعة منذ ثلاثين سنة أدرس طلابي على أنهم يصلون معي ولا أستشكل، وعندما فكرت في الموضوع وبدأت البحث فيه وصلت إلى نتيجة حطمت هذه المسلمة عندي وقلتها بلا أية مشكلة. • اسمح لي يادكتور أن أعيدك لمقال (عقدة الإخفاق) الذي كتبته عن نفسك وأتساءل: هل خلق لك ذلك الواقع رغبة في المصادمة؟ اسأل عني زملائي منذ أن كنت طفلا وإلى الآن فلم يحدث قط أن خاصمت أو غاضبت أحدا أو أسأت إليه كشخص طوال عمري، ولكنني أحمل سيفي وأقاتل إذا كانت القضية في صالح مجتمعي وليس في صالحي الشخصي لأن لي رأيا وموقفا، وليس لدي خلفية توجهني لهذا الموضوع أو ذاك، بل على العكس فعندما لم يقبلوني في الجامعة الإسلامية كنت سعيدا جدا عندما سمعت من قال لي: لا أرى في وجهك شيئا من الورع مثلا، لكنه لم يسئ إلي قدر ما أساء إلي بعد أسبوعين من هذه الحادثة عندما قدمت أوراقي للالتحاق بجامعة دمشق وأجبت على ما وجه لي من أسئلة ببراءة، فقيل لي بعد ردي على أحد الأسئلة: والله مناهجنا كلها ما تنظف آثار السلفية اللي في رأسك. • لم تندم على عدم دخولك المحاماة؟ إطلاقا. • ماذا قصدت بقولك: إن التيار السلفي لو رشد لنجح؟ في مجتمع مسلم وعاطفته إسلامية لا يجب أن يأخذنا الشطط والمجتمعات الإسلامية الأولى لم توجد فيها هذه التصنيفات والحدة التي نراها الآن وكان الإسلام مظلة عليا وما تحتها بناء واسع متروك للناس قد تجد ما تختلف معه وما تتفق أيضا. • ولماذا اتهمت بالقومية عندما كنت ترأس اتحاد الطلاب السعوديين في بريطانيا؟ إن كنت تقصد قومية عبدالناصر فأنا كنت ومازلت أكرهها خصوصا بعد هزيمة 1967م وأنا ضد تشغيل الآلة لتمجيد الزعيم بحيث يختصر الوطن في شخص واحد، ولكن هذا لا ينفي أنني عروبي وأدافع عن ديني ووطني، أما الانتماء إلى فئة أو جماعة فليس ضروريا وأنا أرفضها كتصنيفات. • الملاحظ أن الاتحادات الطلابية العربية اختطفت وصنفت في الغرب لصالح جماعات دينية وأحزاب؟ اتحاد الطلبة السعوديين لم يكن مصنفا، والإخوة الذين كانوا فيه اتجاههم وطني، ولا أعرف إن كانوا يصنفون داخليا أم لا. وعندما كنت عضوا في اتحاد الجامعة انتخبت من الطلبة البريطانيين وليس السعوديين وكنت عضوا في مجلس القسم ومرشحا للمجلس الأعلى في جامعة أدنبرة. • أردت أن أعرف السبب الإنساني الذي دعاك للتوقف عن نقد الحداثة مع أن جامعة الملك سعود مولت بحثك بالكامل في تلك الفترة؟ أنا لست منتميا إلى الحداثة ولا إلى غيرها، وكتبت موضحا موقفي عندما أصدر الدكتور عبدالله الغذامي حكاية الحداثة وأشار إلى أنني تركت الكتابة في الموضوع خوفا منه. ولكن الحقيقة أن ما دفعني للتوقف عن نشر البحث هو صدور كتاب عوض القرني (الحداثة في ميزان الإسلام) فضربت الحداثة ورموزها، ولو أصدرت الكتاب في ذلك الوقت ويشهد الله أنه جاهز لقيل بأنني ركبت تيار المعارضين والضرب في الميت حرام فتوقفت لكي لا أكون عصا لتيار أو جماعة ظهرت وانتصرت وسيطرت وقست. • وماذا كنت ستقول باختصار لو لم ينشر كتاب الشيخ القرني؟ إنهم كانوا أكثر سوءا وقسوة وتعصبا من معارضيهم وبدرجة لا تقبل خصوصا عندما كانت شوكتهم أقوى ومنعوا أيضا أي صوت غير صوتهم. • اتهمت النقاد بأنهم يأخذون باليمين ما يقدمونه بالشمال، ماذا تقصد؟ لم أقصد الجانب المادي طبعا، وإنما الثناء المتبادل ضمن طبيعة تبادل المنافع والأدوار. • الدكتور الغذامي قال بأنه ليس لدينا نقاد؟ وأنا أوافقه في ذلك، وإن كنت أعتبره كشخص واحدا من أبرز النقاد الكبار والمعاصرين.