أحيانا تكون العودة إلى نقطة الصفر مهمة شبه مستحيلة، ليس من السهل أن يستعيد العجوز طفولته أو أن تعود الأرض الملوثة إلى طهرها الطبيعي، فالتدمير العنيف والعبثي والعشوائي الذي تعرضت له بيئتنا الصحراوية يحتاج إلى إعادة إعمار ما دمره العمران، وحين ينتج التطور العمراني كومة من الخراب فإن الحل الوحيد يكون في الجرافة.. إنها هندسة المحو!. في البدء كانت الأرض وكان المطر، من هنا ولدت كل الأودية والشعاب، والماء لا يمكن أن يغير طريقه القديم مهما تحايلت عليه مشاريع التطوير العقاري، ولكن رغبتنا الجامحة في تحقيق قفزة عمرانية سريعة أوهمتنا بأننا يمكن أن نقف ضد الطبيعة، وصورت لنا أن أدوات الحفر والردم قادرة على تغيير طباع المكان كي تتناسب مع طباعنا الجديدة، وضعنا العمارات والشوارع والأحياء السكنية في بطون الأودية وطلبنا من الماء أن يسلك طريقا آخر، اعتقدنا أن السيل يمكن أن يلتزم بقوانين المرور أو يخاف من كاميرات (ساهر)!. لذلك أظن أن العودة لنقطة الصفر هي الحل الأمثل للمشكلة البيئية والمعضلة الحضرية التي تعيشها الكثير من مدننا اليوم، نحن لا نحتاج خطة أفضل من قول الشاعر ابن سبيل: (ياناس خلو كل وادي ومجراه)!، بالتأكيد فإن العودة لنقطة الصفر ستكون مكلفة جدا ولكننا لا نملك خيارا آخر كي لا يكون موسم الأمطار مرتبطا بغرق البيوت والسيارات والناس. وفي مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة بذلت جهود كبيرة وأنفقت أموال طائلة من أجل إنقاذ هذا الوادي الجميل من التدمير البيئي والعبث الكبير الذي حوله إلى مكب لنفايات المصانع وشركات البناء، وقد تمت إعادة مجرى الوادي إلى ما كان عليه وأزيلت كميات هائلة من المخلفات الصناعية، وأنشئت على جانبي الوادي متنزهات جميلة، واحتضن في جوفه محطة للمعالجة الحيوية، وهكذا مع عودة الوادي تحققت المعادلة الأهم وهي: الحفاظ على سلامة البيوت والشوارع أثناء السيل، والاستفادة من مياه الأمطار في بيئة تحتاج إلى كل قطرة ماء، وإنشاء متنزهات تكون متنفسا لجميع سكان العاصمة، وحماية البيئة في الوقت ذاته. مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة هو ما تحتاجه كل المدن التي وضعت العوائق في مجاري السيول، وهي اليوم تعاني من أخطار الأمطار والدمار البيئي، وليس ثمة حل لوديان جدة سوى أن نعيدها إلى صورتها الأولى ونتركها تمضي بسلام إلى البحر، لقد خنقت جدة الوديان وحاصرت البحر وأعادت ترتيب التضاريس كي تتواءم مع المخططات العشوائية، وها هي اليوم تدفع فاتورة بيئية وصحية وحضرية لم تكن تتوقعها على الإطلاق، استنسخوا تجربة وادي حنيفة في جدة فقد كان مثالا صارخا على تدمير الإنسان للبيئة وهو اليوم يعد انتصارا بيئيا لافتا، في كل الأحوال لن يغير الماء طريقه لذلك: (يا ناس خلوا كل وادي ومجراه)!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة