وجد "البسطاء" متنفسا و"كورنيشا" طبيعياً نادر الوجود في "وادي حنيفة" الذي يخترق الرياض من شمالها الغربي إلى جنوبها الشرقي، وأخضعته الهيئة العليا لتطوير الرياض إلى تأهيل شامل، حتى بدا بصورة لافتة تبرز فيه المياه الجارية و"النافورات"، ويرتاده متنزهون باحثون عن "كورنيش وسط الصحراء" يقضون على ضفافه وقتاً طويلاً تعويضاً عن سفرهم للتنزّه في المدن الساحليّة. "الوطن" زارت جزءاً من الوادي، ورصدت حرص عدد من الأسر على التواجد على أطرافه الممتدة عشرات الكيلو مترات، متحوّلاً إلى "كشتات" يجمع بين طبيعة البرّ، وجريان المياه، حيث تبدو الأسر منتشرة على جنباته، واصطحبوا عدّة الكشتات من شوي وخلافه، فيما يلهو الأطفال برمي الحجارة الصغيرة وسط المياه الجارية التي تخترق أجزاء من الأعشاب والأشجار الصغيرة. يشير المواطن منصور الدوسري إلى أن الوادي أصبح بديلاً مناسباً لتنزه "البسطاء" الذين يستهويهم منظر جريان المياه التي تخترق منطقة صحراوية كالعاصمة، لافتاً إلى أن الكثير من المقيمين من شرق آسيا يرتادون الوادي باستمرار لصيد الأسماك في منظر لافت ومستغرب من وجود مياه جارية وسط الصحراء القاحلة، مما يكشف الجهد الكبير لهيئة تطوير الرياض والجهات المعنيّة الأخرى في تحويل الوادي إلى وجهة للتنزه والاستمتاع بالوقت. وأكد المقيم في الرياض هاشم هارون، أنه بين الحين والآخر يرتاد الوادي للاستمتاع بالمنظر الجميل للمياه الجارية، مصطحباً عائلته وطفلته الصغيرة لتلهو في المكان، لكنه يضطر لملازمتها باستمرار خوفاً عليها من سقوطها في الماء الذي يجري بسرعة، مشيداً بجهود الجهات المعنيّة بتطوير الوادي، وتحويله إلى متنزه مائي وبري جميل، مقترحاً إضافة المزيد من التطوير ليستمتع المتنزهون بشكل آمن، ومن ذلك وضع حواجز حديدية على جانبي الأماكن المخصصة للجلوس لحماية الأطفال من السقوط، ووضع جسور مشاة للتنقل للضفة الأخرى، ومعالجة المياه الجارية بصورة أكبر لتبدو أنظف من المياه الحالية التي تبدو ملوثة بعض الشيء. يذكر أن الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تبنّت مشروع التأهيل البيئي للوادي، ومن ذلك وضع آلية جديدة لمعالجة المياه الجارية في الوادي، تستند إلى نظام معالجة طبيعي غير كيميائي، يعتمد على إيجاد البيئة المناسبة في المجرى المائي لتواجد وتكاثر الأحياء الدقيقة التي تستمد غذاءها من المكونات العضوية وغير العضوية في المياه. وقد جاء اختيار هذا النظام الطبيعي لمعالجة المياه، نتيجة انخفاض كلفته التشغيلية، فضلاً عن كونه وسيلة طبيعية تتواءم مع بيئة الوادي، فهو يعمل على تكوين دورة كاملة للسلسلة الغذائية الهرمية لمجموعة من الكائنات الحية التي يمكن أن تعيش في المياه، بحيث يكون المصدران الأساسيان في العملية الحيوية هما ضوء الشمس والأوكسجين، اللذان يساعدان على نمو الأحياء الدقيقة والطحالب، والتي تتغذى بدورها بالكائنات الحية المختلفة المنتشرة في المياه ابتداء بالبكتيريا وانتهاءً بالأسماك والطيور، ويتمكّن المشروع من الاستفادة من المياه المصروفة إلى الوادي على مدار العام، عن طريق معالجتها وإعادة استخدامها بشكل آمن في الأغراض الزراعية والصناعية والحضرية. كما تبنت الهيئة حماية وتأهيل وتطوير الوادي وتحويله إلى بيئة حيوية جاذبة لمدينة الرياض، حيث يصل طوله إلى 80 كيلومترا ممتدا من شمال العاصمة إلى جنوبها، ويتراوح عمق مجراه بين 10 أمتار و100 متر، كما يتراوح عرضه بين 100 متر وما يقرب من 1000 متر كأقصى اتساع في بعض جنباته، حيث يمثل مصرفاً طبيعياً لمياه السيول والأمطار. وكان الوادي قد تعرض لتدهور بيئي، فقررت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عام 1408 اعتبار الوادي منطقة محمية بيئيا ومنطقة تطوير خاصة تحت إشرافها في مسعى لمعالجة الوضع المتدهور فيه، كما أقرت الهيئة العليا 1415 خطة شاملة لإعادة تأهيل الوادي وروافده، ترتكز على عدد من السياسات والتنظيمات والإجراءات، ومن ذلك نقل "الكسارات" ومواد البناء من منطقة الوادي إلى مناطق أخرى خارج المدينة، ونقل معظم الأنشطة الصناعية القائمة في الوادي إلى خارجه، ووقف أعمال نقل التربة، والحد من إنشاء خطوط جديدة للمرافق العامة العابرة للوادي، والتقويم الدائم لمؤشراته البيئية، وإعداد الضوابط المنظمة للأنشطة المختلفة فيه، كما تم تحديد مجرى السيول للوادي الرئيس والأودية الرافدة له، وقد أعدت لذلك مخططات مساحية توضح عرض مجاري السيول وبطون الأودية، وكذلك ضوابط التجزئة للحيازات الواقعة في منطقة الوادي، بالإضافة إلى نماذج لتصاميم بناء الأسوار منسجمة مع بيئة الوادي ومع أنماط البناء التقليدي في المنطقة. وبعد اكتمال مشروع تأهيل الوادي العام الماضي تحوّل إلى متنزّه طبيعي يضم ست متنزهات مفتوحة هي متنزه سد العلب الذي يحتوي على ممرات للمشاة بطول 5،5 كيلومترات، وجلسات للمتنزهين. نال مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة، العديد من الجوائز العالمية منها جائزة مركز المياه بواشنطن في الولاياتالمتحدة الأميركية كأفضل خطة لتطوير مصادر المياه على مستوى العالم لعام 2003، من بين 75 مشروعا قدمت من 21 دولة. وقد تم عرض هذا المخطط في المؤتمر السنوي لمركز المياه الذي عقد في مونتريال بكندا حينها. كما فاز المشروع بالمركز الثاني والجائزة الذهبية في جانب المشاريع البيئية في جائزة مؤسسة الجائزة العالمية للمجتمعات الحيوية في لندن ببريطانيا للعام 2007. كما فاز المشروع بجائزة الآغا خان العالمية للعمارة لعام 2010، وجاء فوز المشروع بالجائزة ضمن خمسة مشاريع حول العالم.