يستجيب كثير من الآباء لتلبية طلبات الأبناء لحمايتهم من أي شعور بالحرمان، وللتعبير عن المحبة والاهتمام. ومع التقدم الاقتصادي وتعدد الخيارات المتاحة أمام أفراد المجتمع ظهرت أشياء جديدة كمالية، لكن بعض الأبناء يعتقد أن كل الأشياء ضرورية. فإذا امتنع الآباء عن تزويد الأبناء بما يرغبون عرضهم للشعور بالحرمان، لأن الإنسان لا يشعر بالحرمان إلا نحو أشياء يرغب في الحصول عليها. أما إذا استمر الآباء في العطاء، تعلم الأبناء الاسترخاء وعدم تحمل المسؤولية وعدم القدرة على مواجهة تقلبات الحياة، وبالتالي الحرمان من الشعور بالإنجاز. وفي كلتا الحالتين لا يشعر الأبناء بالسعادة، بل قد يشعرون بالتعاسة، على عكس مقاصد آبائهم. وفي هذا السياق، نصح بيتر ابن الملياردير الأمريكي وارن بافييه الأسبوع الماضي بمناسبة صدور كتابه الذي يحمل رسالة منه إلى الآباء الأثرياء في العالم ليعلموا أبنائهم القيم الكريمة بدلا من إعطائهم مايحتاجونه بأن يبحث كل شخص بنفسه عن السبيل الذي يوفر له حياة طبيعية وسعيده بدلا من حياة مترفة وتعيسة. وأكد بيتر على أن السعادة تنبثق من احترام الذات وما تهوى النفس فعلا، لا ما يمليه المجتمع وخاصة الطبقات التي تؤمن بالثروة المادية الملموسة. فالثراء والشهرة أشياء جميلة ولكن الأجمل حقاً هو أن يمتلك الإنسان قيما تجلب له السعادة، فيعمل ما يحب عمله ويشعر أنه يتقنه. ويقول بيتر في كتابه إن من يولد وفي فمه ملعقة ذهب سيكتشف أنه سيطعن بها في ظهره، نتيجة الافتقار إلى الشعور بتحقيق الذات، لأن من يوفر له الملعقة الذهب سيحرمه من هذا الشعور الجميل. والثراء حالة تحدث لعدة أسباب، لفترة ما، في مكان ما ولأقلية من الناس .أما الغالبية فتعتبر الأشياء المادية قادرة على منح السعادة ولهذا يعتبرونها ثروة، ومعظمهم يخدع نفسه بأنه يستحقها، وأنه الأجدر من غيره بالحصول عليها. والحقيقة أن القيم والشعور بالإنجاز والعطاء هي العملة التي تجعلنا نستحق كل الأشياء المهمة في الحياة، وهذه القيم ثروة حقيقية قادرة على منح الإنسان الشعور بالسعادة. ومع زيادة الممتلكات من الأشياء المادية تصبح الثروة في حاجة إلى رصد وحصر مستمر وسجلات، كما أنها تتغير بتغير الزمن والمكان والأسعار. أما القيم إذا ثبتت داخل الإنسان تمنحة ردود أفعال ومشاعر سريعة. والقيم ليست بديلا عن الأشياء المادية، لكنها هي التي تعطي الإحساس بأن الثروة يمكن أن تمنح السعادة. ويؤكد الواقع أن متطلبات السعادة أكثر من مجرد استحواذ على الثروة، حيث أن كل فرد على سطح الأرض له تعريف خاص بالسعادة، وإن كان معظمها يدور حول الصحة والثروة والسلطة، لكن قليلا من الناس يقترب من إدراك حقيقة مفهوم السعادة وأنها تنبع من الداخل وتستحق ولا تمنح. ولا يخفى على أحد أن زيادة معدلات التقدم الصناعى فى الدول المتقدمة وما تبعها من زيادة فى دخول الأفراد لم تزد من سعادة مواطنيها. فشعور الفرد بثروته لا ينبع من مجرد الجمع الحسابى لممتلكاته، وإنما تقديره وشعوره بنسبة ممتلكاته إلى ثروات الآخرين في مجتمعه وقدرة هذه الثروة على تلبية رغباته من الحاجات الإنسانية المتزايدة مع استمرار التقدم الاقتصادى.