مواكبة الإعلام القديم للإمكانات التفاعلية التي يوفرها الإنترنت ما زالت محدودة، ومعظم المساحات الإلكترونية الخاصة بالمؤسسات الإعلامية لا تستفيد من صيغ «الملتيميديا» بشكل كافٍ وقد لا توظفها إطلاقا، كما أنها لا تقدم أدوات سهلة للتواصل المباشر بين الصحافيين والجمهور الافتراضي، وتهتم بأخبار السياسة المحلية دون غيرها. الإنترنت لمن لا يعرف أو للتذكير، مرت بظروف صعبة وإخفاقات في الفترة ما بين أواخر تسعينيات القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، وكان أن خفضت المؤسسات الإعلامية صاحبة المواقع على الإنترنت من استثماراتها وكادرها العامل في مساحاتها الإلكترونية، وحسب جون هارتلي(2000) أثر هذا في الحماس الصحافي والتوقعات المتفائلة، ولكنه لم يغير في قناعة الصحافيين بأن الانترنت قادر على خلق أفكار صحافية جديدة، وفتح نوافذ عريضة للممارسات الديموقراطية، وأمنياتهم لم تبدأ من فراغ، وإنما راعت في حساباتها الاحتمالات التقنية الممكن تنفيذها على الإنترنت، وحاليا صار الجمهور مشاركا في إنتاج المحتوى الصحافي، وظهرت نماذج مدهشة للصحافة التعاونية وصحافة الناس أو «المواطنين»، وأصبح الجمهور الذي يقبل ما يعرض عليه دون اعتراض أو مقاومة فكرة من الماضي، كما قال جاي روزن بتصرف(2006) ونحت أكسيل برونز في كتابه: مراقبة البوابة (2005) أو «غايتوتشينغ» كلمة «برادوسيج» لوصف التداخل في العلاقة ما بين منتج ومستقبل المادة الإعلامية. المحبط أن جاك روزنبري (2005) أكد عدم استفادة الصحافة المطبوعة من الخواص التفاعلية على الإنترنت ومعها تقنيات «الملتيميديا» في تغطياتها للشأن المحلي، وأنه إذا حدث لا يكون إلا في حدود ضيقة، وروزنبري، درس محتوى سبعة وأربعين موقعا إلكترونيا للصحافة المطبوعة، والأمثلة من عندي استخدام صحيفتي «نيويورك تايمز» و«يو اس اي توداي» مقاطع مسجلة بالصوت والصورة في بعض أخبارها الإلكترونية، إضافة إلى أن التفاعل بين الموقع الإعلامي وزواره متفاوت، وفي المواقع الإنجليزية والألمانية يستطيع القارئ الإفتراضي التعليق على المواد بإرسال «إيميل» إلى المحرر أو الكاتب، ويوجد في الغارديان البريطانية، بالمناسبة، قسم متكامل لتطبيقات الملتيميديا، أما المواقع الفرنسية والروسية فتأخذ بأسلوب التعليق المباشر أسفل كل مادة منشورة، مثلما هو الحال في الصحافة العربية، وموقع جريدة «لوفيغارو» الفرنسية، لا يعطي المتصفح أي خيار تفاعلي للوصول إلى صاحب المادة المنشورة، ثم إن إرسال «إيميل» إلى الكاتب أو محرر الخبر، لا يضمن اطلاعه عليه، وكتب ثورستن كوندات (2005) بأن تعليقات القراء والمراسلات الإلكترونية إلى «إيميلات» الكتاب الرسمية في الصحيفة، تمر على مسؤول رقابي قد يسمح بوصولها إلى الكاتب أو يرد عليها بمعرفته ولا يستبعد أن يتجاهلها تماما، والاستثناء أن مواقع «بي بي سي» البريطانية توظف الأشكال المختلفة ل «الملتيميديا» بصورة واسعة، ويجوز إرجاع هذا إلى التاريخ الإذاعي والتلفزيوني للشبكة صاحبة الإسم والتجربة الرائدة، وأنها في الواقع ليست ورقية، وفي المقابل وجد جنيفر غرير ودونيكا مينسينغ (2004) في دراسة على ثلاثة وثمانين موقعا للأخبار الإلكترونية الأمريكية ما بين عامي 1997و2003، بأن هذه المواقع استمدت معظم الصيغ الإعلامية المتاحة في الإنترنت لعرض الأخبار والتعامل معها. استكمالا لما ذكر، تعتمد مواقع الصحافة الغربية على الإنترنت طريقة «شفل واير» أو للتوضيح إعادة انتاج نفس المواد المنشورة في النسخة المطبوعة أو المنقولة وما يأتي من وكالات الأنباء، واحتمال تجاهل المصدر وارد بالذات في حالة النقل من أخبار الوكالات، وكشفت باربرا بايرنز (1991) أن وكالات الأنباء تؤمن ما نسبته 80 في المئة من أخبار الإعلام عموما، ومواقع الإعلام المؤسسي الإلكترونية تهتم بالمواد والموضوعات الوطنية، أو التي لها علاقة بالبلد ومصالحه قبل غيرها، رغم أنها مفتوحة على العالم وليس لها جمهور محدد، وقضايا الولاياتالمتحدة أو القضايا المنسوبة إلى مصادر وشخصيات أمريكية، لها حضور واسع في عموم المواقع وأيا كانت جنسيتها، والسبب في نظري الوزن السياسي والاقتصادي والثقافي للولايات المتحدة، ولو أن المواقع الفرنسية تحديدا قد تهمل الأخبار الأمريكية ولا تتناولها ولو كانت مهمة لفرنسا نفسها، والمعنى في «بطن الشاعر» الفرنسي، وأخبار الجريمة لها أهمية في مواقع الإعلام الأمريكية والروسية، لأنها تمثل مشكلة أساسية في هذه المجتمعات. في النهاية، التحولات التقنية الموجودة على الإنترنت لا تلعب باستمرار دورا أساسيا أو بارزا يعمل لمصلحة الصحافة الحرة والديموقراطية، والفعل الإلكتروني، عمليا، لم يخرج الصحافة من صندوق المحلية إلى الفضاء العالمي المفتوح، وما زال للهوية والمكان واللغة أولوية في الفهم والتفسير والممارسة الصحافية. binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة