طلبت من صديقي المصري الأستاذ الدكتور المتخصص في علوم العمارة وتخطيط المدن، والأستاذ السابق في جامعة القاهرة أن يصحبني في جولة في المناطق التاريخية داخل أحياء القاهرة الفاطمية القديمة. وقد رحب كثيرا بتلبية طلبي، خاصة أنه عالم متخصص وعلى اطلاع واسع بتاريخ عمران وحضارة القاهرة التاريخية القديمة، بل وكتب بحثه لرسالة الدكتوراه في هذا الموضوع. ذهبنا أولا إلى جامع الأزهر حيث أدينا صلاة العصر، ثم استمعنا إلى حديث ديني قصير من أحد شيوخ الأزهر الأفاضل، قبل أن ننطلق في جولتنا. كان الجو جميلا يشجع على المشي، خاصة بعد العصرية بقليل. انطلقنا في شارع المعز لدين الله الذي تم تنظيفه وإعادة تأهيله حديثا من قبل وزارة الثقافة المصرية. ورغم كثرة المارة والازدحام، إلا أن الحركة في ذلك الشارع التاريخي كانت مريحة ومثيرة في نفس الوقت. على جانبي ذلك الشارع الطويل الضيق يقع الكثير من المساجد العتيقة الأثرية في القاهرة الفاطمية، وكذلك بعض مباني السبيل الجميلة، بالإضافه إلى بعض المباني السكنية القديمة، وبالطبع الحوانيت والمحلات التجارية الصغيرة المتخصصة في مختلف الحرف والبضائع اليدوية. وتنقسم الأسواق على طول هذا الشارع، سواء في قسم الغورية أم الموسكي إلى أقسام يتخصص كل قسم فيها بحرفة أو بضاعة يشتهر بها. فهناك مثلا قسم النساجين، وقسم العطور والزيوت العطرية، وقسم النحاسيات، وقسم خاص بالخيام ولوازم الصوانات، ثم أقسام البضائع الجلدية، إلى آخر ذلك من حرف وبضائع مصنعة يدويا ومحليا وتصنع في كثير من المحالات أمامك مباشرة. وبالرغم من تحذيرات بعض الأصدقاء من النشالين والمتسولين، لم أواجه متسولا واحدا أو أشعر بخطر النشالين أو بأي نوع آخر من المضايقات، حتى إننى قلت لصديقي الدكتور المصري مداعبا إنه يبدو أننا نخيف الناس من حولنا وكأننا خواجات. وهناك بالطبع البوابات القديمة، مثل باب زويله الذي كان يشنق عليه من حكم عليه بالإعدام وتعلق جثته هناك كعبرة لمن يعتبر، أو باب الغوري، أو غيرهما. وهذه الأبواب كانت تقفل من الداخل بعد غروب الشمس، فلا يدخل القاهرة القديمة من جاء متأخرا، ويبات ليلته خارج تلك البوابات الخشبية النحاسية المنقوشة بزخارف جميلة. بالطبع كانت الطرقات والأسواق في تلك العصرية مزدحمة بالزوار والسائحين، ومكتظة بالبائعين والزبائن والحرفيين العاملين في المحلات التجارية والحمالين وغيرهم. وقلت لصديقي الأستاذ الدكتور إنني لا أرى أي عامل نقل أو حمال أو عامل نظافة أو بائع أو حرفي من أصول آسيوية (بنغالي أو باكستاني أو غيرهما) ولا أسمع سوى اللغة العربية باللهجة المصرية. جميع العاملين في تلك الأسواق القديمة مصريون، من عامل نظافة وحتى حمال. قلتها بحسرة واضحة فهم معناها صديقي الدكتور الذي عمل لفترة طويلة في التدريس الجامعي في المملكة. فأجابني: طبعا، هنا مصدر رزق للكثير من العائلات المصرية لا يمكن التخلي عنه لغير المصريين. ثم إن الحاجة هي التي تدفع إلى عدم التفريط بهذه الأعمال لمصلحة الغير. فقلت في نفسي: والحاجة توجد أيضا وبكثرة في مجتمعنا في المملكة كما توجد في مصر وأمريكا واليابان. ما ينقصنا هو ثقافة العمل، وحب واحترام العمل بكل مواصفاته. فالعمل هو تأكيد وجود، ومساهمة في الإنتاج، واستقلالية واحترام للذات. بعد أن شاهدنا بعض المساجد الفاطمية القديمة والمنازل الأثرية والبوابات وبعض مباني السبيل والمدارس القديمة من الداخل، ذهبنا إلى المنطقة الأثرية في ساحة مسجد الحسين. كانت الساحة مكتظة بالسياح من جميع الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية، بعضهم يتناولون العشاء مبكرا في مطعم الدهان المشهور، وآخرون يستمتعون بالمشويات لدى مطعم الحاتي، وغيرهم جلسوا مثلنا على حافة سور قصير يشربون الماء وبعض العصائر ويتناولون السندوتشات. ومع حلول المغرب صلينا في مسجد الحسين، ثم أصر صديقي الأستاذ الدكتور المصري على دعوتي والسائق المرافق لي لتناول العشاء في حديقة الأزهر الجميلة، التي أصبحت من أشهر معالم القاهرة اليوم. ولهذه الحديقة الرائعة الشاسعة قصة لابد من ذكرها في المقال القادم إن شاء الله. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة