امتدح الله أمة الإسلام وميزها عن غيرها من الأمم بقوله تعالى(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). ولقد جاء مثل هذا الوصف لفريق من أهل الكتاب اليهود والنصارى قبل بعثة الرسول في قوله تعالى: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). ولكن ثمة فارق كبير بين الصفتين إذ أن ما جاء في وصف المسلمين فيه دلالة على أنهم على هذا الخلق الكريم، أو هذا ما يجب أن يكونوا عليه، كما قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). وفي هذه الآية أمر وتوجيه إلهي للمسلمين بأن يكونوا على هذا الخلق. بمعنى اجعلوا من أنفسكم أمة تتصف بهذه الصفة ويحمل جميع أفرادها هذا الخلق الكريم، كما قال ابن عاشور في التحرير (3/51) وابن عطية في الوجيز (4/217). وهذا يعني مسؤولية كل فرد من التغيير على الأهل والولد إلى التغيير على جميع أهل البلد. والأصل في هذا امتداح هذا الخلق بقوله تعالى: (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). وقوله عليه السلام: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده». ولفظ (من) للعموم، تشمل كافة أفراد المجتمع وأيضا قوله: «كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته». ولكن هذا النهج من التفسير عورض لأن هذا يتعذر على جميع أفراد المجتمع القيام به لأن شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون القائمون على هذا الأمر (فقهاء). بل كان هذا المرفق في بعض مراحل التاريخ الإسلامي مرتبط مباشرة بالدائرة القضائية. والقضاة هم أئمة الفقه والفقهاء ومثل هذا الحال لا يتوافر لدى كافة طبقات المجتمع. ولكن هذا مردود بأن عامة الأحكام المطلوب فيها هذا الخلق مما هو معلوم من الدين بالضرورة ولا يحتاج إلى فقه ولا فقهاء. فكافة المنكرات الظاهرة لا تحتاج إلى فقهاء لإنكارها ولكن الراجح هو ما ذهب إليه فريق آخر من المفسرين من أن لفظ (منكم) التي جاءت في الآية إنما هي للتبعيض. بمعنى ليكن منكم فريق من الناس يتحملون هذه المسؤولية. لأنه وإن كان كل المسلمين مطالبين بهذا الخلق إلا أن بعض الملابسات لا يستطيع الفرد العادي أن يقوم بها ما لم يكن هناك أفراد مدعومون من قبل ولي الأمر. ولكن نرجع إلى العنصر الأساسي الذي يجب أن يكون موجودا في كيان رجال الهيئة وهو الفقه. فما لم يكن القائمون على هذا الأمر لديهم المبادئ الأساسية في فقه المعاملة وفقه الأعراض وفقه الأنساب فإن النتيجة الحتمية سوف تكون ما خشيه الناس هو الوقوع في منكر أكبر من المنكر المنهي عنه. وهذا للأسف الشديد!! هو حالنا اليوم مع ممارسات بعض المنتسبين إلى هيئة الأمر بالمعروف. لننظر إلى المطاردات في المشاغل والأسواق في مدن المملكة ولعل آخرها ما ذكرته الحياة بمداهمة رجال الهيئة لدورة مياه للنساء وسحب فتاة وضربها وكشف أعضاء من جسمها وركلها وحملها ورميها في جيمس الهيئة وبشهود عشرة. وإذا صحت هذه القصة فأي فقه يحمله هؤلاء الرجال الأقوياء. ولماذا يقولون إننا لا نهتك ستر الأعراض! من أي وجهة فقهية شرعية جاءت أيدي الرجال تلمس جسد هذه المرأة؟ أي فقه هذا الذي حملوا به هذه الفتاة في سيارتهم وهم رجال ثم احتجزوها. هل هذا هو الفقه الذي ينبغي أن يكون على أدنى مراتبه هؤلاء الرجال؟ أين هؤلاء من هدي الرسول ومعالجته لهذه القضايا؟! ألم تأت المرأة تقر بعظمة لسانها أمام رسول الله بما ارتكبته من فاحشة؟ فهل أمر الرسول (الرجال) بالقبض عليها وإيداعها السجن؟! هل لمس أحد من الرجال أو حتى النساء شيئا من جسدها؟ هل تهتك شيء من سترها؟ وقد رجعت إلى بيتها كما جاءت وخيبة الأمل في نفسها أن الرسول لم يمسسها بسوء ولا حد ولا زجر ولا هتك ستر ولا تجريح. بل فتح لها أبواب الرجوع إلى بيتها وإسدال الستر على نفسها وأن تلجأ إلى الله وتجعل هذا الذنب خفية بينها وبين ربها. إذا كان هذا هو هديه الكريم في حق امرأة ارتكبت أكبر فاحشة، فمن أين جاء هؤلاء بهذا الخزي في حق هذه الفتاة لمجرد وجودها مع رجل في مكان عام؟! أوليس الأفضل حسن الظن بالناس أجمعين؟ وكم وكم من حالات يهتك بعض المنتسبين للهيئة مثل هذا الستر ثم تتضح أن هذه زوجته أو أخته. وكم أرواح بريئة ذهبت ضحية المطاردة في هتك هذا الستر؟ فالذي نرجوه أن يرجع بعض أعضاء الهيئة عن ما يفعلونه بالناس وأن يتوخوا الستر في معاملتهم. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة