.. في محكم التنزيل يقول رب العزة والجلال في سورة آل عمران : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ). وفي كتاب من تأليف الأستاذ يوسف بن محمد بن داخل الصبحي بعنوان : (وسام الكرام في تراجم أئمة وخطباء الحرم عبر العصور) ويقول المؤلف في المقدمة : إن للمسجد الحرام تاريخا عريقا عبر الأزمنة والعصور ، وعلى مر الحقب والدهور، بداية من عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى وقتنا الحاضر، حيث اهتم به الخلفاء والملوك، فشيدوا بنيانه، ووسعوا مكانه، وجملوا أروقته، واعتنوا بنظافته، وأولوه عناية فائقة، واهتماما خاصا. قال ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس، أي : لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم، يطوفون به، ويصلون إليه، ويعتكفون عنده، ( للذي ببكة ) يعني : الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : وهذا يدلك على الاعتناء منه سبحانه بهذا البيت العظيم، والتنويه بذكره، والتعظيم بشأنه، والرفعة من قدره، ولو لم يكن له شرف إلا إضافته إياه إلى نفسه بقوله: ( وطهر بيتي للطائفين ) لكفى بهذه الإضافة فضلا وشرفا. فبيت الله المشرف قبلة المسلمين في صلاتهم ودعائهم، ومقصد الحجاج والعمار لأداء نسكهم، ومهوى أفئدة البعيدين، وإليه يشتاقون، وراحة أنفس القريبين وعنده يطمئنون، فالنفوس على حبه قد فطرت، والقلوب إلى قربه قد جبلت، فكم من نفس في سبيل الوصول إليه تاقت، وكم من عين للنظر إليه راقت، فالأمن في رحابه سائد، والخير بين جنباته مشاهد، كما قال تعالى: ( أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ) القصص : 57 ، وقال تعالى: ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) العنكبوت : 67. وقد خص الله تعالى المسجد الحرام بخصائص وفضائل من دون سائر البلدان، كرما منه وفضلا، وجودا وإحسانا، ومن أعظمها ذكرا، وأفضلها أجرا، مضاعفة الصلاة إلى مائة ألف صلاة كما قال صلى الله عليه وسلم : «صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه». ومن أجل هذه المضاعفة حرص المسلمون على تأدية الصلاة جماعة في المسجد الحرام، فأضيفت مضاعفة الجماعة إلى مضاعفة الصلاة، فكان خيرا كثيرا. قال ابن الجوزي رحمه الله : قال أبو بكر النقاش: فحسبت ذلك على هذه الرواية فبلغت صلاة واحدة في المسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة ، وستة أشهر ، وعشرين ليلة، وصلاة يوم وليلة في المسجد الحرام، وهي خمس صلوات عمر مائتي سنة، وسبعين سنة وتسعة أشهر ، وعشر ليال. وقال الشيخ عبد الرحمن الجاسر بعد نقله كلام النقاش: فحق لمثل هذا الحرم الشريف أن تشد إليه الرحال، وتتلف فيه أنفس الرجال، فضلا عن الأموال.. وإلى الغد لنتابع الحديث عن أئمة وخطباء المسجد الحرام وما قيل عنهم.