حتى في الموت يريد البعض أن يحملوا الموتى مسؤولية موتهم، ويتجردوا تماما من المسؤولية، وكأنهم غير معنيين بها، والحمد لله أنهم لم يطلبوا محاكمتهم أيضاً فما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها! نعم .. ماتوا؛ لأن بيوتهم غير المرخصة، المبنية في مخططات غير معتمدة، والمشيدة في أحياء عشوائية غير قانونية، كانت أشبه بعلب الكباريت التي تنتظر ما يسقطها على رؤوس ساكنيها، لكن المسؤولية هنا لا تقع على رأس مخالف القانون وحده، بل أيضا على من سمح له أن يخالف القانون، ومن وقف متفرجا لعشرات السنين على بؤر الأحياء العشوائية وهي تكبر وتتمدد وتلتهم الأراضي وتدوس على القوانين وشروط التخطيط والبناء والسلامة، وقد تنبه الأمير خالد الفيصل لخطر العشوائيات منذ لحظة توليه منطقة مكةالمكرمة، وجعلها من أولويات برنامج عمله، وها هي الأحداث اليوم تثبت رؤيته. المسؤولية مشتركة، وتتحملها كل جهة سكتت على وجود هذه الأحياء في مجرى السيول، أو واجهت المشكلة سنين طويلة على الورق بدلا من مواجهتها على الواقع؟ هذه الأحياء العشوائية لم تشيد في الربع الخالي، وإنما في مدينة جدة التي تملأ السمع والبصر، ولم يكن مقبولا أن تجد مثل هذه المخالفات المتراكمة عبر السنين الفرصة للنمو دون أن تتصدى لها الإدارات المختصة بتنظيم وتخطيط وبناء المدينة منذ البداية. مسكينة هذه ال«جدة» .. تغرق في شبر الماء، كما تغرق في شبر من المشكلات، وشبر من التصريحات، وشبر من التقصير، وشبر من الإهمال، وشبر من الاستغلال وشبر من الانتهازية.