مع كل موسم حج تطفو على السطح مشكلات بعض مؤسسات حجاج الداخل، وتكون قضية خدمات هذه الشركات محور حديث شريحة كبيرة في المجتمع وتشغل حيزا من قرارات المسؤولين في وزارة الحج، بل تصل هذه القضية إلى المحاكم والداخلية والغرف التجارية، في كثير من الأحيان ينتقد الحجاج خدمات بعض المؤسسات، بل يذهبون إلى حد اتهامها بالاحتيال والتكسب بدون وجه حق، وتعترض المؤسسات على هذه الاتهامات وتلقي باللوم على المكاتب والمؤسسات الوهمية التي تتسلل إلى هذا المجال. من جانبها تعترف وزارة الحج بوجود قصور في بعض خدمات هذه المؤسسات، وتعترف أيضا بالمكاتب الوهمية، وتؤكد فرض عقوبات نظامية على المخالفين تصل إلى حد سحب الترخيص، والغرامة، وتوضح أنها ستسير لجانا ميدانية في مشعر منى خلال موسم الحج المقبل، لكشف المخالفات وعلاجها فورا، كما تدعو الحجاج إلى الإبلاغ فورا عن المخالفات شريطة تقديم الدليل والبينة. سباق الحملات في البداية لابد من طرح وجهة نظر الحجاج الذين يشتكون من سوء الخدمات أو الذين يقعون في أفخاخ المؤسسات الوهمية، وهنا يروي سعيد عوض المشناوي تجربته مع مؤسسات الحج، فيقول: خضت تجربة الحج مع مؤسسات الداخل، التي تبدأ مبكرا كل عام بالترويج لخدماتها التي تغري كل من ينوي الفريضة، باعتبارها أكثر تميزا، كما أن كل حملة تتبارى في أنها الأرخص سعرا مقارنة بالآخرين، بل إنها تقدم خدمات إضافية مجانا، إلا أنني أكتشفت أن ما تقوم به هذه المؤسسة لا يمت أبدا بأية صلة للاشتراطات المطلوب توافرها في الحملات، وبدأت المعاناة منذ بداية الرحلة بعدم نقلنا إلى مكةالمكرمة في الموعد المتفق عليه وهو قبل الحج بثلاثة أيام تقريبا، عندها تحركت بسيارتي الخاصة من جدة وتوجهت إلى العاصمة المقدسة للبحث عن مقر المؤسسة المجهول العنوان، وبعد رحلة بحث مضنية عثرت على السكن، والمفاجأة أنه باختصار غير مناسب، وهنا وقف الحجاج، معلنين رفضهم للسكن الذي لا يتوافق مع ماوعدت الحملة بتوفيره، الأمر الذي دفع البعض إلى البحث عن مسكن على نفقته الخاصة لاستكمال شعائر الحج، كما لم يتبق من المسؤولين عن الحملة إلا السائق والمرشد، خدمات أخرى كالطعام كانت مجرد وهم. بيع الوهم في المدينةالمنورة أوضح حمد صالح المطيري أن العديد من حملات الحج تبدأ مبكرا في الترويج والإعلان وتستغل التجمعات في الأماكن العامة، من خلال رسائل عبر البريد الإلكتروني، إضافة إلى وسائل الإعلان التقليدية مثل الصحف والملصقات وغير ذلك، بغية الوصول إلى الحاج أينما كان لإقناعه بالاشتراك معها وهو ما يضع الحاج في حيرة عند اختيار المؤسسة الأنسب. ويطالب المطيري بضرورة وضع ضوابط للإعلان، وأن تكون الإعلانات متفقة مع واقع الخدمات التي تقدمها المؤسسة حتى لاتبيع الوهم للحجاج، ويجب استبعاد المؤسسات التي ليس لديها تصريح رسمي صادر من الجهات المعنية من خلال تنظيم حملات رقابية تشرف عليها فروع الحج في المدينتين المقدستين على وجه الخصوص. محمد عوض له تجربة يقول عنها: بعد أن حجزنا في السنة قبل الماضية لدى مؤسسة في المدينةالمنورة ودفعنا المبلغ المحدد، أغلقت المؤسسة فرع مكتبها، وأغلقت هواتفها في وجه المشتركين المطالبين باسترداد ما دفعوه، وهو ما جعلنا نشترك على عجل في حملة أخرى. وفي جدة، اشتكى نجيب علي أحمد من ارتفاع تكاليف الحج، مطالبا بضرورة إعادة النظر فيها، وقال: أتمنى تأدية فريضة الحج لهذا العام، لأنني أجلتها العام الماضي لعدم المقدرة المادية، ففي الوقت الذي نتمنى فيه الحج تواجهنا مشكلة ارتفاع تكاليفه وأسعار الحملات تصل إلى سبعة آلاف ريال للفرد الواحد، مختتما بقوله: مستعد هذا العام لتأدية الفريضة مهما كلفني الأمر، خصوصا أنها الحجة الأولى وأتمنى أن أحقق ذلك. إذا كان المستفيد من الخدمة ينشد أفضل الخدمات بأقل الأسعار، بينما يسعى مقدم هذه الخدمة إلى الحصول على أعلى سعر مع تقديم القليل لتحقيق أعلى ربح طبقا لنظرية العرض والطلب، وهذا ما ينطبق على قاصدي المشاعر المقدسة وأصحاب الحملات المعروفة باسم مؤسسات حجاج الداخل، فكان لابد من التوجه إلى الحكم الذي يمكنه الفصل بين الطرفين ويتحدث بموضوعية دون انحياز إلى فئة دون الأخرى، وهذا الحكم هو وزارة الحج باعتبارها الجهة التي تنمح التراخيص والتصنيف، وتحدد أسعار خدمات هذه المؤسسات. وكيل وزارة الحج لشؤون الحج حاتم بن حسن قاضي أكد ل «عكاظ» أن الوزارة تراقب عمل المؤسسات وتوقع العقوبات المنصوص عليها في حق المخالفين، موضحا أن سحب أي ترخيص من شركات حجاج الداخل هو إجراء تتخذه الوزارة بعد التحقق من اللجنة الثلاثية المشكلة من الداخلية، الحج، والتجارة، مناشدا الحجاج أن من يجد تقصيرا في خدمات هذه الشركات عليه أن يتقدم إلى الوزارة ويسجل ملاحظاته، شريطة أن يكون لديه الدليل وفي هذه الحالة تعطي اللجنة الثلاثية صاحب الشركة الفرصة لتقديم ما لديه من دفوعات وعند ثبوت تقصير أو إخفاق في أداء الخدمة، فحتما سيواجه العقوبة، واعترف قاضي بوجود ظاهرة مزاولة بعض المؤسسات ومكاتب الخدمة العامة مهنة خدمة حجاج الداخل والإعلان عن نشاطها دون الحصول على تصريح نظامي من الوزارة، وهو ما يعد مخالفة وفقا لما نصت عليه المادة الثانية من نظام خدمة حجاج الداخل، مؤكدا رصد عدد من هذه المؤسسات في موسم حج العام الماضي، واتضح أن هذه المكاتب تزاول هذه المهنة مخالفة لنظام السجل التجاري المعمول به في المملكة، وتوقع الحجاج في الكثير من المعاناة خلال تأديتهم الفريضة، موضحا أن الوزارة خاطبت التجارة والصناعة لتكثيف الرقابة لحظر نشاط هذه المؤسسات والمكاتب التي تزاول خدمة الحج ومحاسبتها. وعلى الصعيد نفسه، أكد وكيل وزارة الحج المساعد لشؤون الحج الدكتور سهل بن عبد الله الصبان أنه تم تشكيل لجان ميدانية لمتابعة الخدمات التي تقدمها مؤسسات حجاج الداخل خلال موسم حج هذا العام وفق الاشتراطات المتفق عليها في بنود العقد، لضبط أي تلاعب يحدث من قبل الشركة أو إخلال بالاشتراطات، وإن الوزارة تستقبل أي شكوى يتقدم بها الحاج المتضرر ضد الشركة في حالة وجود خدمة أقل من المتفق عليها سواء من حيث السكن، وسائل النقل، وجبات الطعام، وجميع الخدمات التي يتفق عليها في العقد. وأشار الصبان إلى وجود لجان تجوب المخيمات أثناء الموسم في مشعر منى لتصحيح الأخطاء فورا، من أجل تمكين الحجاج من أداء نسكهم بكل يسر وسهولة وطمأنينة. فيما أوضح مدير فرع وزارة الحج في المدينةالمنورة محمد عبد الرحمن البيجاوي أن الوزارة تحرص على إلزام شركات الحج بتوفير اشتراطات دقيقة للرقي بمستوى الخدمات المقدمة لحجاج الداخل وتوفير أقصى معايير السلامة، معترفا بوجود حملات وهمية تنشط خلال موسم الحج وشدد على ضرورة التأكد من مصداقية تلك الحملات. استبعاد المخالفين هناك جهة أخرى معنية بخدمات حجاج الداخل هي الغرف التجارية، وإن كانت أقرب إلى أصحاب المؤسسات باعتبارها الجهة التي ترعى مصالحهم،إلا أنها تنحاز إلى تقديم الخدمات المتميزة وحقيقية على الواقع بمقابل «مجدي» للمؤسسات وفقا لمبدأ لا ضرر ولا ضرار.. وفي هذا السياق يقول رئيس لجنة الحج والعمرة في الغرفة التجارية الصناعية في مكةالمكرمة سعد جميل القرشي: عدد شركات حجاج الداخل وصل هذه السنة إلى 242 بعد استبعاد شركات ارتكبت مخالفات، وتعرضت شركات أخرى مخالفة إلى غرامات مالية وإنذارات بالشطب أو الإبعاد لغير السعوديين، مبينا أن المخالفات تصل إلى السجن لمدة سنة في بعض المخالفات وتتكفل بالتحقيق وتنفيذ الجزاءات ثلاث وزارات هي الداخلية، الحج ، والتجارة. وشدد القرشي على أن شركات حجاج الداخل تخضع لمراقبة ومتابعة لجان متخصصة في وزارة الحج تنفذ جولات تفتيش ميدانية بشكل سري على المكاتب المنتشرة في جميع أنحاء المملكة، للتأكد من مدى التزامها باشتراطات الوزارة، وفي حال وجود مخالفة يتخذ الإجراء المتبع بحق المكتب والاستعانة بعناصر أمنية لإغلاقه إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك. وحول أعداد حجاج الداخل المسموح بها يضيف القرشي: يوجد سقف للأعداد المسموح بها لدى شركات حجاج الداخل لا يمكن تجاوزه، بالتنسيق مع مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات. وفيما يتعلق بالحجاج التائهين في المشاعر المقدسة أشار القرشي عن إلزام أصحاب الحملات بتوزيع سوار حول المعصم لكل حاج، مدون عليه العنوان الكامل للحملة من حيث موقعها وأرقام الهواتف مع تسجيل بيانات الحاج الكاملة وإلزامه بارتدائه، حتى يمكن إعادته إلى موقع الحملة بسهولة. من جهة أخرى يقول مساعد مدير عام الجوازات لشؤون الحج والعمرة العقيد عايض بن تغاليب الحربي: إن إجراءات تنظيم حجاج الداخل تطبق على جميع المواطنين والمقيمين في المملكة من خلال منح تصاريح للحجاج الراغبين في أداء الحج ممن لم يسبق لهم أداء هذا الركن أو من يرغب في تكرار الحج ومضى عليه فترة خمسة أعوام من آخر حج له، وأنه تم تحديد فترة منح تصاريح الحج للمقيمين إلى إدارات الجوازات اعتبارا من 15/10/1430ه حتى 29/11/1430ه، وبالنسبة للمواطنين فإن إصدار تصاريح منوط بالأحوال المدنية، مشيرا إلى أن مراجعة الجوازات تكون عن طريق مندوبي مكاتب خدمات حجاج الداخل لطلب تصاريح الحج للمقيمين، وأهاب بالمواطنين والوافدين بالتقيد بتعليمات تصاريح الحج، مذكرا بعدم دخول مكةالمكرمة لأداء الحج إلا بتصريح وبالطرق النظامية المتبعة.