يمكن اختزال أهم المشاكل المواجهة لمرضى الأيدز في المقاطعة، فشكواهم الأساسية هي أنهم باتوا أسرى للمرض، فأسرهم وأقرباؤهم وأصدقاؤهم لا يتواصلون معهم بعد الإصابة، وتلمح في أعينهم ملامح الوحدة التي تمنعهم من الالتقاء بالناس بسبب عدم الوعي. في غليل (جنوبي جدة) ينتظر أبو أحمد البالغ من العمر 36 سنة، أذان المغرب للإفطار وحيدا، فقد هجرته زوجته وأبناؤه الثلاثة بعد إصابته بمرض الأيدز قبل أربع سنوات، وهم من كانوا يشاركونه إفطاره وسحور في سنوات سبقت تاريخ الصدمة، أي تاريخ اكتشاف المرض. يقول أبو أحمد (36 سنة) أصبت بمرض الأيدز منذ أربع سنوات كانت صدمة كبيرة ومفاجئة محزنة في حياتي، فكنت متزوجا ولدي ثلاثة أبناء إلا أن زوجتي سارعت بطلب الطلاق بعد معرفتها بإصابتي بالمرض، إلا أنني أحمد الله على كل حال، فمع مرور السنين يزداد تقبلي للمرض أكثر فأكثر. كل دقيقة على مريض الأيدز تمر عليهم هي بمثابة سنة من الهموم والآلام والعزلة الاجتماعية، وما يضاعف معاناتهم يوما بعد يوم هو عدم تقبل كل من حولهم لماهية مرضهم، ما دفع أيضا، المصابين إلى ارتداء أقنعة لتفادي نظرات المجتمع القاسية. وبالعودة إلى أبو أحمد الذي يضيف قائلا: ما يحزنني أن الأشخاص القريبين مني باتوا يتسببون لي بالإحباط، عندما يعلمون أني أعاني من هذا المرض، لذلك أسعى دائما إلى إخفاء هذا السر المؤلم في حياتي حتى لا أعاني من عزوف الآخرين عني. وفي بيت آخر بنفس الحي العشوائي غليل الذي أصبح صورة مصغرة من لعبة الدهليز الشهيرة في البرنامج التلفزيوني الحصن، نتيجة عشوائية البنيان ونقص الخدمات، تتشارك أم عبد الله (40 سنة) نفس هموم أبو أحمد، وأي مريض بالمرض الفتاك. تروي قصتها أم عبد الله قائلة: أصبت بالمرض منذ 11 عاما، ولا يسعني أن أصف حالي عندما تلقيت خبر الإصابة فالحمد لله على كل حال، فقد نقل لي المرض عن طريق زوجي، وتلقيت العلاج عندما ارتفع الفيروس بعد ثمانية أشهر. وتضيف "الآن حالتي الصحية جيدة، حيث بدأت أتقبل الوضع ولكن رفض المجتمع ونبذهم لي مازال سائدا، فحتى أقرب الناس لي وهم أهلي قاطعوني عدة شهور خوفا مني، ولكني وجدت الدعم من المستشفى عند تلقي للعلاج ومن الجمعية الخيرية لمرضى الأيدز. ولكن شدة الألم والحزن في قصة أم عبد الله تتجسد في الاقتباس التالي: «ما يتعبني هو حمل عبء هؤلاء الأيتام، فأنا أخفي عمن حولي حقيقة المرض لأنه عار على أبنائي، فكلام الناس لا يرحم ولن يتفهموا أن هذا المرض هو ابتلاء من الله تعالى وأنا لم أختره». ولا تتوقف مشاكل أم عبد الله عند هذا الحد فقط، فمنذ وفاة زوجها لم يعد لديها وأبنائها من يعيلهم، وهي من دون وظيفة أيضا، ولا تتسلم أي مساعدات من الصناديق الاجتماعية الحكومية كالضمان الاجتماعي. ولا تنتهي قصص المصابين بالأيدز في حي غليل، وكأن قدر الحارة الشعبية الكبرى وسكانها، الحياة تحت وطأة ثالوث الرعب: الفقر، تجارة المخدرات والجريمة بشكل عام، وأخيرا المرض. أبو خالد مواطن في العقد الثالث من العمر، واكتشف إصابته بالمرض، هو وزوجته التي كان يجرى لها عملية جراحية لاستئصال اللوز، بعد أن طلب منهما إجراء تحاليل اعتيادية خلال تواجدهم في المستشفى، وكانت النتيجة: أنتم مصابون بمرض الأيدز. يبدأ أبو خالد حديثه ل«عكاظ»، بصوت باك تخنقه العبرة، قائلا: عندما تلقيت خبر إصابتي بالمرض شعرت بأن كل شي انهار أمامي فلقد تحطمت، شعور سيئ للغاية ولا يوصف، وقد علمنا بذلك عندما ذهبنا لإجراء عملية اللوز لزوجتي، حيث طلبوا منا أن نقوم بعمل بعض التحاليل وظهرت النتيجة بإصابتي أنا وزوجتي، ولله الحمد سلامة ابني. ويضيف: تلقيت الخبر من المستشفى وقد قاموا بتمهيد الخبر لدي، كما لهم الدور الكبير في دعمي أنا وزوجتي، ولا أعلم من أين انتقل لي هذا المرض من حجامة أو من الحلاقة، فأنا لا أزكي نفسي على الله لكني ملتزم طيلة حياتي، ما يزيد العبء لدي هو قضاء متطلبات أسرتي فقد تركت الوظيفة نتيجة تدهور صحتي. ويبين الأخصائي النفسي في الجمعية الخيرية السعودية لمرضى الأيدز عبدالعزيز الجهني أن عند استقبال المريض في الجمعية يقومون بطرح عدة أسئلة عليهم للتعرف على مشاكله من ضغوط نفسية وغيرها. ويقول الجهني: أغلب الحالات لا يكون لديها الرغبة بإخبار الآخرين عن مرضهم، لذا يتم التعامل معهم بسرية تامة، ولا يفصح عن أسرارهم بل يتم دعمهم معنويا قدر المستطاع، لأن هذه الفئة من المرضى لديهم تخوفات وهواجس عدم تقبل الآخرين لهم فتشكل لديهم ما يشبه العقدة النفسية من الكشف عن مكنوناتهم الداخلية. مشكلة الوظيفة أبرز العوائق التي تواجه المصاب بمرض الأيدز أيضا، خاصة أن ضعف المناعة الناتجة عن المرض تمنع الجسد من أداء مهام اعتاد تأديتها قبل الإصابة، وهنا تسعى جمعية مرضى الأيدز، وبالتعاون مع وزارة العمل، في توفير فرص عمل للمصابين. وتوضح الأخصائية الاجتماعية في الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الأيدز ندى عمر هناك اتفاقية مع مكتب العمل لترشيح الحالات القادرة على العمل للوظائف، مضيفة: نحاول أن نقدم الخدمات للمرضى على قدر الإمكان بحسب عدد أفراد الأسرة وقيمة إيجار المنزل.