أتفق تماما مع الأستاذ مشاري الذايدي بأننا لم نفعل ما يكفي لتحييد التطرف الذي يوفر المدد البشري والفكري لشبكات الإرهاب. المحاولة الفاشلة لاغتيال سمو الأمير محمد بن نايف أعادت التذكير بأن المملكة لا زالت هدفا لشبكات العنف الذي ظننا أنه قد تراجع في العامين الماضيين. المؤكد أن معظم السعوديين متفقون على إدانة التوسل بالعنف المسلح لأي غرض سياسي أو ديني أو اجتماعي. الحوادث الأخيرة كشفت عن حقيقة مؤلمة ربما أغفلناها طوال الأشهر الماضية، وهي أن هناك من يعمل بقصد أو بجهالة على تغذية اتجاهات العنف في المجتمع، من خلال تصوير المنافسين كأعداء للدين أو تصوير الصراع الفكري والسياسي الطبيعي كمعركة حياة أو موت بين الاتجاه الديني التقليدي والاتجاهات المنافسة. ذلك الشخص الذي يقول على شاشات التلفزيون إنه لو التقى بالدكتور تركي الحمد لبصق في وجهه، وذلك الذي يتحدث عن القتل والقتال والردة كما لو كان الأمر يتعلق بعنز في سوق المواشي، وذلك الذي يدعو الشباب إلى التصدي بأيديهم لكل من خالف تقاليده أو متبنياته الدينية، وذلك الذي يبرر قتل الناس في دول أخرى لأن مذهبهم باطل أو لأن دينهم محرف. كل هؤلاء ينفخون في شراع الإرهاب عن وعي أو عن جهالة. فهم يصورون العنف كتعبير وحيد عن صفاء العقيدة، وهم يهونون من قيمة الدم الحرام حتى تتحول إراقة الدم إلى حلم يلح على ذهن الشاب البسيط الذي يريد إن يكتشف ذاته إو يجسد رجولته إو يفي بدينه تجاه ربه إو تجاه شيخه. نحن لا نتحدث عن حالات فردية. لقد تحول التطرف الديني إلى غول يأخذ بخناق البلاد، وتراه أمامك في كل يوم، في المساجد والمدارس والتلفزيون والصحف والإنترنت. هذا الغول أدرك اللعبة السياسية وأجادها، في مثل هذه الأيام تراه ساكتا خامدا، حتى إذا تراخى اهتمام الناس بحوادث العنف السياسي، نهض من بياته محاربا هذا وشاتما ذاك. يعمل هذا الغول السياسي على استغلال كل قضية لتجنيد الناس ونفخ ثقافة العدوان فيهم وتعزيز الكراهية بينهم وبث اليأس والارتياب في نفوسهم. وهو يضع كل عمل من هذه الأعمال في قالب ديني، فكأنه صاحب الشريعة أو ممثلها الوحيد، وكأنه الناطق بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. يحرص الشباب جميعا على دينهم وسلامة مجتمعهم. هذه المشاعر النبيلة تمثل مدخلا لتعزيز شعورهم بالمسؤولية وحماستهم لتنمية ذواتهم والمساهمة في إنماء مجتمعهم. لكن دعاة التطرف يستثمرونها في زرع الإحباط والشعور بالمهانة عند الشباب. وهم يوجهون هذه المشاعر السلبية نحو منافسيهم السياسيين أو الاجتماعيين، أي جميع شرائح المجتمع عدا الفئة التي تدور حولهم وتردد أقوالهم. ينظر أولئك المتطرفون إلى كل إنسان باعتباره عدوا فعليا أو عدوا محتملا. أما لأنه يتبع منهجا دينيا منفتحا، أو لأنه يركز على قضايا الإصلاح الاجتماعي والثقافي، أو لأنه يتطلع إلى أسلوب حياة مختلف، أو لأنه يعبر عن آراء غير تلك التي تحمل ختم «الفرقة الناجية»، أو لعشرات الأسباب غير هذه وتلك. في كل الأحوال فإن يوميات دعاة التطرف هؤلاء مكرسة للبحث عن أعداء أو اصطناع أعداء أو وصف أعداء . كتاباتهم وخطاباتهم ومجالسهم مكرسة في معظمها للحديث عن «الآخرين» أي الأعداء الفعليين أو الأعداء المحتملين. الشاب الذي ساقته أقداره إلى حلقات هؤلاء المتطرفين سوف ينزلق بالتدريج إلى حمأة العداوة، سوف ينشغل ذهنه بالتخلص من الأعداء الواقعيين والمتخيلين بدل انشغاله بتطوير كفاءاته وبناء حياته. نموذج الحياة الفاضلة الذي يرنو إليه سوف يتجسد في الانتصار على أولئك الأعداء المفترضين، بدل الانعتاق من الجهل والخرافة والفقر. التطرف والتطرف الاجتماعي والثقافي هو الذي يبرر العنف ويجعله اعتياديا، مقبولا، بل ومحبذا. ولهذا فإن تجفيف منابع الإرهاب ، يتطلب إيضا كسر شوكة التطرف وإعادة المتطرفين إلى مكانهم الطبيعي، بعدما تحولوا إلى غول يسعى للهيمنة على حياة البلاد الثقافية والفكرية والاجتماعية. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة