«النظرة القاصرة إزاء طبيعة دورنا تقتل طموحاتنا وتضطرنا للتراجع خطوتين للوراء والتفكير في الهروب إلى الأعمال الإدارية والتدريس، بدلا من العمل المباشر لتخفيف آلام المرضى وتضميد جراحهم من خلال مهنتنا الإنسانية». وجهة النظر التي عبرت عنها الممرضة آلاء الخمري بهذه الكلمات المقتضبة تعكس إلى حد كبير آراء الكثير من زميلاتها من الممرضات السعوديات اللواتي يتلمسن طريقهن في مجتمع لا يزال بعض أفراده يرفضون عمل الفتاة في التمريض ويعتبرونه عيبا اجتماعيا. ولم تخف الخمري امتعاضها من تشكيك البعض في تأهيل الممرضة السعودية وكفاءتها التي أثبتتها التجربة رغم حداثتها. نظرة دونية وتتفق معها زميلتها دارين قائلة إننا نعاني من بعض المرضى والمراجعين الذين ينظرون لنا نظرة دونية ويعتبروننا خادمات، ولا يتورعون عن إهانتنا وتوجيه الشتائم لنا، متجاهلين حقيقة أننا جزء من طاقم طبي ولنا دور أساسي في تقديم الخدمات الصحية. وترى أسماء الورسلاتي (رئيسة هيئة التمريض في مركز طبي) أن الممرضة السعودية استطاعت إثبات ذاتها وقدراتها من خلال عملها في المستشفيات والمراكز الصحية «ويكفي أنها مشبعة بالقيم الإسلامية النبيلة التي تدفعها للتعامل بإنسانية مع المرضى، أسوة بالصحابيات اللواتي كن يضمدن جراح المصابين في الغزوات». وتقول إن نظرة المجتمع السلبية تجاه الممرضة تغيرت إلى حد ما، وأصبحت الفرص متاحة أمام الفتيات السعوديات للابتعاث إلى الخارج لإكمال دراستهن العليا في مجال التمريض. نوبات مسائية رئيسة هيئة التمريض في مستشفى العيون في جدة مريم شعيب تشخص من جهتها الأسباب التي تدفع الممرضات السعوديات للسعي للعمل في أعمال إدارية في الرعاية الصحية والتدريس بقولها إن جهل ذويهن بطبيعة عملهن يضطرهن للتخلف عن الدوام في النوبات الليلية. كما أن ساعات العمل الطويلة تجعلهن يلجأن للغياب والاستئذان المتكرر. وفي المنحى ذاته تشير فاطمة (معيدة في كلية التمريض في جامعة الملك عبد العزيز) إلى أن مشكلة الدوام الطويل تبرز بشكل واضح حينما تتزوج الممرضة، ويصبح لزاما عليها التوفيق بين مسؤوليات عملها وظروف أسرتها. ولذلك لا تستمر في التمريض أكثر من ثلاث سنوات، لتبدأ البحث عن وظيفة إدارية تكون ساعات دوامها أقل، مما يشكل عقبة أمام سعودة قطاع التمريض. وتقول إنها شخصيا عانت من هذه المشكلة في بداية حياتها العملية، ووجدت الحل في إكمال دراسة الماجستير والعمل معيدة في الجامعة. سعودة التمريض ومع أن خريجات تخصص التمريض مرغوبات في سوق العمل، حيث إن المستشفيات الحكومية والخاصة تسعى لتوظيفهن، فإن سعودة هذا القطاع كما ترى الدكتورة فاطمة الحسن تستلزم أولا تصحيح النظرة الخاطئة للمجتمع عن الممرضة وإيضاح إنسانية وجمالية مهنتها، وعدم استصغارها. وتحمل رئيسة المجلس العلمي للتمريض في الهيئة السعودية للتخصصات الطبية الدكتورة صباح أبوزنادة وسائل الإعلام مسؤولية نظرة كثير من أفراد المجتمع لمهنة الممرضة باعتبارها لا تتطلب كفاءة عالية، ودورها يقتصر فقط على تلبية ما يطلبه منها الطبيب. وتقول إن سوء الفهم هذا يؤثر سلبا على الطالبات اللواتي يرفض ذووهن العمل في هذا المجال، رغم الحاجة الملحة لممرضات سعوديات. ومع أن الوضع تحسن قليلا وأصبحت الخريجات من كليات التمريض سنويا بالمئات، فإن أعدادهن لا تزال تقل كثيرا عن الاحتياج. وتتطلع أبوزنادة للارتقاء بمهنة التمريض من خلال برامج أكاديمية وعملية تضمن عدم تسرب السعوديات اللواتي يواجهن مشاكل اجتماعية لا بد من دراستها وإيجاد حلول لها، وفي مقدمة تلك الحلول توفير أماكن في المستشفيات والمراكز الصحية لحضانة أطفال الممرضات اللواتي ينبغي مساواتهن بالممرضين في البدلات والعلاوات، كما أن المواصلات تعد مشكلة للعديد منهن حيث لا تشملهن خدمة النقل التي تقدم لزميلاتهن غير السعوديات.