تساءلت في العام 2008، حين كنت آنذاك مسؤولاً في الجامعة لدائرة البعثات والعلاقات الثقافية، وأنا أعمل على إنجاز المتطلبات الإدارية لإيفاد الطلبة والأساتذة المبتعثين إلى خارج العراق لاستكمال دراستهم في الجامعات الأمريكية والأوروبية وفق خطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لماذا لا تتوفر منح دراسية للطلبة العراقيين من الدول العربية وجامعاتها الرصينة والتي أصبحت بمراكز متقدمة وفقاً للتصنيفات الأكاديمية العالمية، ولماذا لم تبادر الوزارة العراقية في ذلك الوقت بفتح هذا المسار من التعاون وبما يحقق مزيداً من التقارب العلمي والذي يفتح الباب لترابط سياسي من خلال مبدأ الدبلوماسية الثقافية.. وعلى الأرجح فإن الاعتقاد الشائع في دولنا بأن الدراسة والحصول على الشهادة من الجامعات الغربية هو المعيار للعلمية والرصانة الأكاديمية ما دفع لاستقطاب أغلب الطلبة لهذه الجامعات. بعد 14 عاماً من ذلك التأريخ أجد عدداً من الطلبة العراقيين تم قبولهم للدراسة في المملكة العربية السعودية في جامعتي: الملك سعود، والملك عبدالعزيز، وهاتان الجامعتان في المراتب الأولى في التصنيف للجامعات العربية وأيضاً ضمن تصنيفات عالمية منافسة للجامعات الغربية، هذا القبول جاء بناء على مبادرة المنح للنخب العراقية بالأمر السامي الكريم رقم (64137) بتاريخ 29/11/1441ه، الأمر الذي يعكس مدى اهتمام القيادة في المملكة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتقديم كل ما يخدم العراق وأبناءه، وكذلك يعكس الشعور بمكانة الطالب العراقي ومستوى الارتباط الوثيق بين البلدين، خصوصاً أن القبول يتم في أفضل الجامعات واستثناء من شروط المنافسة والتفاضل بالقبول ليضعهم بمكانة مساوية للطالب السعودي بل وأكثر من ذلك. دفعني الشعور الأكاديمي إلى متابعة برنامج المنح وطبيعتها والوقوف عليها بالتفصيل من خلال التواصل مع الطلبة الدارسين في الجامعات السعودية، فتواصلت مع طالبة عراقية تدرس الدكتوراه بجامعة الملك سعود في كلية الآداب والعلوم الإنسانية/ قسم علم المعلومات، تحدثت عن مرحلة التقديم للحصول على مقعد في برنامج المنح والتسهيلات التي حصلوا عليها ابتداءً من السفارة السعودية في بغداد وحرص السفير لإتمام هذا البرنامج، مروراً بالقيادات الجامعية والتدريسية والإدارية، فضلاً عن الامتيازات التي حصلوا عليها من سكن جامعي وراتب شهري وتكفل الجامعة بكل ما يمكن أن يوفر الظروف الملائمة للنجاح، وهذا يشمل الطلبة الآخرين الذين حصلوا على مقاعد لدراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في عدة اختصاصات علمية وإنسانية كالطب والصيدلة والهندسة وعلم المعلومات والإعلام والشريعة وغيرها من الأقسام العلمية، والأهم مما ذكرته هذه الطالبة قولها إنها تشعر بالفخر لأنها تدرس في جامعة ضمن قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم لعام 2024، وفقاً للتصنيف الذي تصدره مؤسسة «كيو إس» (QS) البريطانية، ولكونها أول طالبة عراقية تدرس الدكتوراه في هذه الجامعة وأشارت بشكل ملفت لمشاعر المحبة والاحترام تجاههم كعراقيين من الشعب السعودي. إن وجود طلبة عراقيين في الجامعات السعودية يمثل مساراً جديداً في العلاقات بين البلدين، فالرياض لا تفكر بعلاقتها مع بغداد فقط بالجانب السياسي أو الاقتصادي أو الأمني بل في الجانب التعليمي والاجتماعي وبكل ما يرفع من الشعب العراقي ليضعه في مكانة متقدمة بين شعوب المنطقة، وهذا التوجه سيترك أثره الكبير من المحبة على المستوى الشعبي في العراق لمثل هكذا مبادرات ونواياها الصادقة، فضلاً عن تعزيز التعاون العلمي بين البلدين والذي يمكن أن ينعكس على الجامعات العراقية من خلال عقد اتفاقات لتبادل الخبرات الأكاديمية والبحثية وإقامة الورش والندوات العلمية لتطوير المهارات التدريسية.. أما على المستوى الشخصي فكلي أمل أن يحقق كل الطلبة والطالبات الدارسين في الجامعات السعودية النجاح لرفع اسم العراق في لوحات التفوق العلمي في المملكة.