يجد طلاب الجامعات العراقية، وجامعات بغداد بوجه خاص، انفسهم اليوم في مأزق. فبعد هجرة اعداد كبيرة من الاساتذة هرباً من موجات التصفية الجسدية التي طاولت زملاءهم، والتي لا تزال تسجل ضد مجهول، هم يواجهون اليوم تراجعاً واضحاً في المستوى العلمي في مختلف كليات الجامعة واقسامها. فالاساتذة ? التعويض معظمهم من الخريجين الجدد ومن حملة شهادة الماجستير على الاكثر. وفي الوقت الذي تصاعدت فيه شكاوى الطلبة من هذه الحال، فضلاً عن شكواهم من تردي الوضع الأمني الذي ذهب بحياة زملاء لهم ... راحوا يفكرون، هم ايضاً بعد اساتذتهم، بالهجرة الى الخارج والدراسة هناك ? وخصوصاً طلاب الدراسات العليا منهم. وقد وجدوا في الجامعات العالمية مثل الجامعة العالمية الإسلامية في ماليزيا بديلاً مقبولاً يستهوي هؤلاء الطلاب الذين انهوا دراساتهم الأولية في الجامعات العراقية ولم يسعفهم الحظ في مواصلة الدراسة للحصول على الشهادات العليا من ماجستير ودكتوراه. ويجد طلاب ما يعرف بالمناطق الساخنة من العراق أنفسهم في حرج مزدوج: الى جانب الوضع الأمني المتردي في العاصمة يجدون في انتمائهم الى هذه المناطق سبباً كافياً يعرضهم للخطف والاغتيال من قبل المليشيات وفرق الموت المنتشرة مثل بغداد. ويقول قصي الأستاذ في جامعة تكريت إنه أنهى دراسته الأولية وحصل على الماجستير في الجغرافيا من إحدى جامعات بغداد قبل الغزو الأميركي للعراق، ولأن جامعة تكريت تفتقر إلى مؤهلات منح شهادة الدكتوراه في تخصصه، وجد نفسه أمام خيار صعب، فأما الذهاب إلى بغداد للحصول على الدكتوراه في إحدى جامعاتها وهو أمر قد يكلفه حياته لكونه من مدينة تكريت التي صار ابناؤها غير قادرين على الكشف عن هوياتهم... أو مواصلة الدراسة في جامعة ماليزية وهو ما قام به. وحذا الأستاذ جمال حذو زميله قصي وقدم أوراقه لإكمال مشروع الدكتوراه في جامعة ماليزية لافتقاد جامعة الأنبار مؤهلات منح شهادات الدكتوراه في كلية الآداب، ويقول:"إن الدراسة في جامعات خارج العراق أكثر امناً وأماناً من جامعة بغداد بالنسبة الينا نحن الذين أصبحنا مستهدفين من المليشيات وفرق الموت بعد الغزو الأميركي للعراق، وبسبب هجرة الكفاءات العلمية من التدريسيين والأكاديميين من العراق إلى خارج البلد بعد تعرضهم لتهديدات بالتصفية الجسدية والتمكن من اغتيال الأكثرية الساحقة منهم". لكن الدراسة في جامعات خارج العراق مكلفة من الناحية المادية وتستنزف أموالاً كثيرة... وتعجز الغالبية العظمى من الطلاب عن تحملها في هذا الظرف الصعب الذي يشهد فيه العراق تضخماً كبيراً، وارتفاعاً في مستوى المعيشة مع انخفاض الدخل لدى الغالبية الساحقة من العائلات التي فقد أفرادها وظائفهم جراء حل المؤسسات العسكرية والأمنية التي كانوا يشغلون مناصب حيوية فيها. أما الطالب حبيب اختصاص إعلام فاختار الدراسة من طريق التعليم المفتوح عبر الانترنت لكون كلفته أقل من الدراسة في جامعات خارج العراق. يقول حبيب إنه تمكن من دفع تكاليف الدراسة بالتقسيط المريح واستطاع أن يحصل على شهادة الماجستير من طريق جامعة بريطانية عبر الانترنت. ويضيف:"على رغم أن الدراسة عبر الانترنت غير معترف بها من قبل وزارة التعليم والبحث العلمي في العراق، آمل أن تحظى الشهادة التي حصلت عليها بالاعتراف من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة التي ستتولى حكم العراق في السنوات المقبلة". وتشهد مكاتب التعليم المفتوح في معظم المدن الساخنة، والتابعة لإحدى الجامعات البريطانية، وجامعة لاهاي في هولندا، إقبالاً متزايداً من الطلاب الراغبين في اكمال دراساتهم العليا على رغم عدم الاعتراف العراقي بالشهادات التي تمنحها هذه الجامعات.