حرب أهلية في إسرائيل.. هذا الجدل الذي فجره رئيس الوزراء السابق ووزير الدفاع السابق أيضاً إيهود أولمرت في أحد اللقاءات على التلفزيون الإسرائيلي، إذ لم يستبعد السياسي والعسكري المخضرم أن تتجه تل أبيب إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس بسبب الصراع بين الحكومة والنظام القضائي والمعارضة والمجتمع المدني من جهة أخرى. الواقع نحن العرب لا نعرف عن إسرائيل إلا القليل، فهي تعاني من مشكلات سياسية داخلية أيضاً من نوع آخر، ولديها أيضا حالة ديكتاتورية من نوع آخر، وعلى الرغم من حالة العداء بين العرب وإسرائيل التي يفترض أن نعرف أدق التفاصيل عن وضعها السياسي إلا أننا لا نعرف إلا ما تصدره عناوين الأخبار.. هذه الاحتجاجات نبهتنا إلى ما تعاني إسرائيل من مشكلات داخلية، ولا بد النظر فيها ومراقبتها لما لها من أهمية على مستوى الشرق الأوسط ومستوى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. بعد الاحتجاجات التي ضربت تل أبيب، والموجة العارمة التي تناهض خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي لما يسمى بالإصلاح القضائي، رأينا أن إسرائيل ليست كتلة واحدة، وليست جسماً واحداً، وليست الصورة النمطية التي يتم تصديرها، بل هي كيان يجنح للسيطرة الداخلية وإحكام السيطرة على مفاصل الحياة، هذا ما أراده بنيامين نتنياهو؛ الذي قد يقوض إسرائيل من الداخل. بشكل مختصر، لماذا انفجرت إسرائيل بشكل مفاجئ وباتت شوارع تل أبيب مليئة بالمظاهرات؟ ولماذا يرى البعض أن إسرائيل قد تتجه إلى مواجهة داخلية عريضة بين الحكومة والقضاء؟.. قبل أسبوعين، أراد نتنياهو تطبيق خطة تحد من سلطة المحكمة العليا وتعطي البرلمان سلطات كبرى في اختيار القضاة، وتعتبرها المعارضة تهديداً للديمقراطية، كما أثارت قلق عدد من حلفاء إسرائيل؛ أبرزهم الولاياتالمتحدة. ويهدف المشروع الذي أقره الكنيست (الإثنين) إلى زيادة سلطة المسؤولين المنتخبين على القضاء، ويرى منتقدوه أنه يهدد الطابع الديمقراطي لإسرائيل، ويمكن أن يساعد في إلغاء إدانة محتملة لنتنياهو الملاحق بتهم فساد في عدة قضايا. الخطة لم تمر على النخب الإسرائيلية وعلى الأحزاب الإسرائيلية الأخرى، معتبرين ذلك بمثابة ترسيخ للديكتاتورية في إسرائيل وتقويض للديموقراطية، وبالفعل نفذت المعارضة وعيدها ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وفي الخامس من مايو الماضي، هدد زعيم حزب الوحدة الوطنية الإسرائيلي المعارض بيني غانتس، بزلزلة البلاد في حال أعاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طرح مشاريع قوانين الإصلاح القضائي على الكنيست لإقرارها. وقال غانتس، حينها وهو وزير الدفاع السابق، في تغريدة على «تويتر»: «أنا أفهم أن نتنياهو ثمل بالسلطة مرة أخرى، بعد تمرير ميزانية ستنفجر في وجوهنا جميعاً، وبالفعل تعيش اليوم شوارع إسرائيل هذه النتيجة». وشهدت الأزمة قبيل التصويت على القانون أشكالاً بعيدة وتصعيدات على مستويات عالية في الكنيست الإسرائيلي، إذ طالب رئيس لجنة الأمن في الكنيست بإعادة وزير الدفاع إلى منصبه بعد أن أقاله نتنياهو رداً على مطالبته بالعدول عن خطة إصلاح القضاء، ورأى رئيس لجنة الأمن في الكنيست أن هذا ليس الوقت المناسب لتغييرات في وزارة الدفاع، إذ تدل مثل هذه التصريحات على حدة الصراع بين المعارضة والنظام الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو. نعم نحن أمام إسرائيل جديدة ليست كما نعرفها في السابق، إسرائيل التي تشهد صراعات سياسية على مستويات مخيفة في الطبقة السياسية ومؤسسات الحكم. من كان يتصور أن الضباط المتقاعدين سيدخلون على خط الأزمة القضائية أيضاً، ويكون لهم رأي في مثل هذه التطورات. ففي الأسبوع الثاني من الاحتجاجات، شكّل مسلحون من مجموعة قدامى المحاربين في الجيش «أخيم لانشيك» (إخوة في السلاح) سلسلة بشرية عند المدخل الرئيسي لمقر قيادة الجيش الإسرائيلي في تل أبيب وأغلقوه. كما هدد بعض جنود الاحتياط بعدم الاستجابة لأوامر الاستدعاء في إطار الاحتجاج. وسبب ذلك صدمة في دولة لطالما كان فيها الجيش، الذي يعتمد على قوات الاحتياط في زمن الحرب ويستلزم ذلك خضوعها لتدريبات منتظمة، مسألة لا تخضع للسياسة يلتف حولها الجميع. هذا من عجائب السياسة في الشرق الأوسط، تمرد من نوع عسكري ومدني وسياسي مشترك ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي بات بنظر الكثير من الإسرائيليين إليه بأنه الديكتاتور الجديد في إسرائيل، وربما مثل هذه المواقف تشير إلى أن إسرائيل في الوقت ذاته تحافظ على أسس ديمقراطيتها ولا تجنح للحالة العسكرية التي يريد فرضها نتنياهو. لقد انضمت إسرائيل بشكل فعلي إلى دائرة الاحتجاجات العربية، التي ولدتها سياسات الدول ضد شعويها، ولعل مثل هذه الاحتجاجات، فعلاً، تعيد نتنياهو إلى مسار إسرائيل التقليدي، وهو الحفاظ على الديموقراطية والتوازن السياسي في البلاد.