عندما نحاول حصر أهم «أطراف» الصراع الدولي الساخن بأوكرانيا، الذي يصفه البعض بأنه تمهيد للحرب العالمية الثالثة والأخيرة، وموقف كل طرف، سنجد أن هذه الحرب تهم وتشغل معظم العالم. ويمكن أن نختصر كل المعنيين بهذه الحرب في أربعة أطراف رئيسة، هي الأطراف المباشرة، وشبه المباشرة، الأهم في هذا الصراع، وهي: روسيا، الغرب (حلف ناتو)، أوكرانيا، بقية العالم. وقد لخصنا موقف كل من روسيا والغرب، في المقال السابق. واليوم نتطرق لموقفي أوكرانيا، وبقية العالم. **** - أوكرانيا (قربان الصراع): لقد دفع الغرب روسيا دفعاً لغزو أوكرانيا. ونكث بوعوده، وتعهداته، بعدم توسع حلفه (ناتو) شرقاً. استغل انشغال روسيا في مشاكلها الداخلية، فتوسع إلى حدودها الغربية. وضم دولاً متاخمة لروسيا، واضعاً بعض قواته وصواريخه قريباً من البر الروسي. وعندما قويت روسيا، تنبهت لهذا الاقتراب سيئ المقصد، وبدأت تدعو لوقفه. ولكن الغرب استمر في التوسع شرقاً، غير مبالٍ بالمخاوف الأمنية الروسية المشروعة، وغيرها. فقرر ضم أوكرانيا للناتو، وهي الدولة الأقرب لروسيا. عمل ذلك، رغم وجود نسبة كبيرة من الأوكرانيين تميل لروسيا، ورغم تحذير روسيا بعدم ضم أوكرانيا للناتو، لأن ذلك يهدد أمنها القومي، لدرجة خطيرة جداً. أخذ الغرب يتدخل في الشؤون الداخلية لأوكرانيا، وبشكل سافر، أحياناً. وساهم في وصول حكومة فولاديمير زيلينيسكي، الموالية، والعميلة، له للسلطة. وأقيمت بأوكرانيا مصانع سرية للأسلحة البيولوجية والكيميائية، وبذل جهداً محموماً لتهيئة أوكرانيا لعضوية الناتو. وفي الوقت ذاته جمدت أمريكا اتفاقية عدم نشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في شرق ووسط أوروبا. وكانت روسيا تراقب هذا الوضع بقلق، وغضب شديدين، حتى تفجر غضبها. ثم اندفعت لغزو أوكرانيا ابتداء من يوم 4 فبراير 2022م. **** والملاحظ، إمعان القيادة الأوكرانية، بزعامة زيلينيسكي، في مواصلة الحرب والقتال، والتماهي التام مع الخطة الغربية، في معركة خاسرة تماماً، بالنسبة لبلدهم. فهم يواجهون قوة عسكرية عظمى، لن يستطيعوا الصمود أمامها، ناهيك عن الانتصار عليها، مهما تدفقت المساعدات العسكرية والسياسية إليهم من الغرب. والنتيجة النهائية ستكون مزيداً من العناء والتدمير للشعب الأوكراني. صحيح، أن ذلك قد يستنزف بعض قوى روسيا، ولكن قدر هذا الاستنزاف سيكون محدوداً، ولا يتناسب مع حجم تدمير دولة كبيرة ومتقدمة مثل أوكرانيا. إن القيادة الأوكرانية الحالية تقدم بلادها قرباناً لحلف ناتو، الذي لا يريد من ضمها إليه سوى «استخدامها» ضد جارتها، وشقيقتها، روسيا. فأي منطق يتبعه ساسة أوكرانيا، بإصرارهم على مواصلة الحرب، خاصة بعد أن اتضحت أهداف الغرب، ونواياه، تجاه بلادهم، وجيرانها؟! كان، وما زال، بإمكان قادة أوكرانيا مهادنة الروس، والتفاوض معهم، والبقاء على الحياد، لحماية بلادهم، وشعبها، من هذا التدمير الهائل. فغالباً لن يكسبوا من عضوية الناتو إلا أن يصبحوا «في فم المدفع». **** إن رد فعل الغرب (ناتو) على هذه العملية العسكرية الروسية، تجسد في إجراءات عدة مضادة وخطيرة، من أهمها: التنديد الشديد بروسيا، وفرض عقوبات غير مسبوقة عليها، إضافة إلى إنشاء جسر جوي بين الغرب وأوكرانيا، لتزويد الأخيرة بأسلحة وصواريخ متطورة جداً، وتفعيل خطط الناتو الدفاعية، وإنشاء مجموعات قتالية إضافية، في الجانب الشرقي للحلف، كل ذلك يجعل الغرب منخرطاً في الحرب ضد روسيا، وإن بشكل غير مباشر. أي أننا نشهد الآن حرباً ضروساً غير مباشرة بين الغرب وروسيا، توشك، لو «صعدت» قليلاً، أن تصل لدرجة حرب شاملة مباشرة (ونووية)... حرب عالمية ثالثة، قد تكتب نهاية هذا العالم، كما نعرفه. إن لدى كل من أمريكاوروسيا من الأسلحة النووية فقط ما يمكن، لو استخدم، أن يدمر العالم ست مرات. ومن المستبعد ألا يستخدم هذا السلاح في أي اصطدام مباشر حاد بينهما، خاصة بعد أن وضعا ترسانتيهما النوويتين على «أهبة الاستعداد». **** - معظم بقية العالم: وهو الطرف الرئيس الرابع في هذه المأساة: لا شك أن هناك تداعيات كثيرة، وآثار مختلفة، محلية وإقليمية وعالمية، لهذه الأزمة العالمية الأكبر في الوقت الحالي. فهذه الأزمة فرضت على العالم كله، وإن بدرجات متفاوتة، تحديات عدة شائكة في كل جوانب الحياة العامة، تقريباً. صحيح، أن معظم هذه التحديات، ما زالت «محتملة» (متوقعة) وليست حالة، ومتواجدة فعلاً. ولكنها شبه واقعة. وإن تفاقمت وتصاعدت الحرب، ستتفاقم هذه التداعيات. ويعتقد أن هذه الحرب قد طالت، بأكثر مما كان متوقعاً. وقد تضع أوزارها قريباً، ما لم يتدخل حلف ناتو مباشرة (وهو أمر مستبعد، حتى الآن) أو غير مباشرة، كما يفعل الآن، عبر تقديم أسلحة متنوعة ومتطورة لأوكرانيا. إن روسياوأوكرانيا تصدران ما يعادل ثلث صادرات العالم من القمح والشعير، وغيرهما. الأمر الذي يعطي هاتين الدولتين نفوذاً، و«سلاحاً غذائياً هاماً». وقد تسببت حرب روسيا على أوكرانيا في توقف الأخيرة عن الزراعة طيلة الموسم القادم 2022 - 2023م، وربما ما بعده. وهذا يعني وقف صادراتها من هذه المادة الغذائية الحيوية. وحدوث نقص في المواد الغذائية، يفاقم من معاناة فقراء بالعالم النامي. الأمر الذي ربما يؤدي إلى عدم الاستقرار، ونشوب الاضطرابات في بلادهم. هذا، إضافة إلى التوقف التدريجي لانسياب النفط والغاز الروسي إلى أوروبا، وما ينجم عن هذا التوقف من مشاكل ومضايقات جمة، كانت أوروبا في غنى عنها. ولكن، يظل أكبر وأخطر تداعيات هذه الحرب هو اتساع دائرة التصعيد بين روسيا والغرب. وبالتالي، ارتفاع احتمالات حصول الكارثة الأكبر... وهي الاصطدام الهائل المباشر بين روسيا وحلف ناتو، وحدوث ما لا تحمد عقباه، أي الهلاك... لمعظم ما على الأرض.