عجيب ذلك اللسان حين يتبرأ منك كأنه عدوك؛ تحنو عليه بدفء؛ ويلسعك بلهيبه، قيل في غدره «رب كلمة قالت لصاحبها دعني»، وقيل في خيانته «وهل يجر الناس في النار إلا حصائد السنتهم»، وقيل في التعامل معه «لسانك حصانك إن صنته صانك»، وما زال يتزعم قهرك بمزيد من بث الشكوى، وإن تمكنت منه في ذلك أدماك بزلات اللسان. سلوك متهور؛ الحديث قبل الاستيعاب، والرد قبل التفكير، والغضب قبل التحليل؛ ليصبح سباقاً لقول القبيح، وميداناً لسهام التجريح، في أرض اللاخصوبة بسيئ الأقوال، وبذيء الجمل، وما هي سوى لحظات لترى الندم والأسى بعد أن استوعب العقل ما جرى، فيعود العويل والكدر لأثر ما بعثته بلسانك ليعيدك لقفص التندر والسخرية والتهكم، لتتمنى لو استقبلت من أمرك ما قلت لما كان ما نطقت؛ حيث الكلمة وقد ملكتك، وحديثك وقد أدانك، ونثرك وقد قيد قرارك. حديث الناصح شائع! وتطبيقه قليل؛ فمن طرق تمحيص الكلمات قبل خروجها؛ النفس العميق قبل القول، وكتم الحروف عند تسارعه، ثم لتصلح سريرتك قبل ظهور انطباعك؛ ففلتات اللسان أحياناً انعكاس عميق لما يكنه صدرك، وقد قيل: كل إناءٍ بما فيه ينضح. تناقلت الأسماع بفيض من العاطفة قصيدة شاعر العراق كريم العراقي رحمه الله: لا تشك للناس جرحاً أنت صاحبه لا يؤلم الجرح إلا من به صمم ووعت القلوب المعنى، ولامس شغافها، وتناقلها محبو الشعر وغيرهم بكثير من القبول، لتصبح أيقونة يُستشهد في وقت الرخاء بمطلعها؛ لكن السؤال؟ هل التزم بها ناقلوها في الشدة! ختامها رائعة السناني: أسرار عمرك خلها تحت الانفاس لا صار هراج القفا فاطن له