من النادر أن العراقيين لا يختلفون الآن فيما بينهم حيال خطورة المشهد السياسي والأمني الحالي، خاصة بعد دخول فصائل وجماعات مسلحة على خط الأزمة السياسية واتخاذها مواقف منحازة وأخرى هجومية، بما يرفع احتمالات الصدام المسلح، أو على الأقل الدخول بمرحلة التصفيات الانتقائية بين المؤثرين داخل تلك الفصائل. بين عرقلة مشاريع لقوانين مدعومة من قبل (التحالف الثلاثي) الذي يتكون من التيار الصدري وحلفائه من القوى السنية والكردية، عبر إيقافها من خلال المحكمة الاتحادية، بضغوط من قبل «الإطار التنسيقي»، الذي يمثل المعسكر الإيراني في العراق، بحسب ما تحدث به أعضاء بالتيار الصدري، وما ترشح من تفاعلات عنها كان آخرها بيان ما تسمى ب«الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية»، المظلة الجامعة لنحو 10 مليشيات مرتبطة بإيران، هدد فيه إقليم كردستان، بعد سلسلة من الاتهامات التي لا أثر واقعي لها بالشارع؛ لتبرز بالجهة الأخرى حرب الملفات التي سربت بعض قضايا الفساد والثراء الفاحش وما يتنعم به من أموال طائلة لقيادات المليشيات أو أسرهم، خاصة بعد قيام منصات ووسائل إعلام محسوبة على التيار الصدري بتسريب قسم منها مع تهديدات مباشرة بفضح المزيد منها. وأخيرا توعدت حسابات على منصة «تلغرام»، وأخرى على موقع «تويتر»، بالكشف عن أماكن تواجد قيادات الحرس الثوري واجتماعاتهم في العراق، ونشر مواقع تخزين الصواريخ في الموصل وصلاح الدين والحضر، ونشر ملفات مهمة عن فرق الموت التابعة لحزب الله، ونشر قاعدة بيانات للمجموعات الخاصة التي تدربت في إيران والتابعة لمليشيا «العصائب»، وكشف ما تقوم به أو قامت به سابقا، إضافة إلى الكشف عن وثائق وحسابات مصرفية تستخدم لتبييض الأموال، وطرق دخول الصواريخ والسلاح من إيران الى العراق. ومن خلال هذه المعلومات يمكن تصور أن المناطق المشار اليها قد تكون هي ساحة الصراع القادمة أو أن ثمة سيناريو جديدا يحاك لها أشبه بسيناريو ما حدث في يونيو 2014 عندما سيطرت داعش على نفس المناطق أو بوجود رغبة لبث فوضى فيها بدلاً من الذهاب إلى اقتتال شيعي شيعي، ما يرجّح أن مناطق اقليم كردستان العراق ومحافظتي نينوى والأنبار هم ضمن أولوية أهداف هذه المليشيات وليس ببعيد عندما انفجرت سيارة مفخخة يوم 28 /4 /2022 في منطقة المجموعة الثقافية بالموصل عندما أرادت الحكومة العراقية بسط الأمن في قضاء سنجار وطرد جميع المسلحين منه. وبالتزامن مع هذه الخلافات والانقسامات الكبيرة بدأ يظهر نشاط كبير لعصابات داعش الارهابية في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين وجنوب نينوى تحديداً في قضاء الحضر الذي لا يكاد يمر يوم إلا وكان فيه هجمات تستهدف نقاطا عسكرية أو حرق محاصيل زراعية أو عمليات إعدام لأهالي مدنيين. وحسب آخر المعلومات فإن حكومة الأغلبية الوطنية التي يصر عليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وبقية التحالف الثلاثي ستتشكل خلال شهرين، وسيتم خلال هذين الشهرين سن وتعديل قوانين مهمة يتبناها التحالف، يكون فيها اختيار رئيس جمهورية خلال شهر يونيو القادم ويكلف رئيس الوزراء خلال شهر يوليو على أن تتشكل الحكومة خلال شهر أغسطس إلا أن الوضع على أرض الواقع قد لا يحتمل شهرين إضافيين خاصةً مع المطالبات التي بدأت تظهر بنزول الشارع وعودته للاحتجاج مجدداً نتيجة الفشل والانسداد السياسي الذي أصاب العراقيين بالضرر والإحباط من أن هذه الطبقة السياسية لن تقدم له أي شيء من شأنه رفع المعاناة عنه. ومن هنا فإن العراق يمر بأخطر مراحله وقد يكون بين ليلة وضحاها أمام انزلاق خطير وكبير يؤدي إلى فوضى كبيرة لها بداية وليس لها نهاية مالم يتم تدارك الأمر.