الجميع كان بانتظار حديث الأمير بندر بن سلطان في البرنامج الوثائقي الذي أذيعت حلقته الأولى مساء الإثنين، لأن توقيت الحديث مهم جداً ولأن صاحب الحديث هو بندر بن سلطان وكفى، وهو الذي قال ذات مرة في أوج نجوميته ليس مهماً كثرة الظهور الإعلامي ولكن المهم عندما تظهر ينصت لك الجميع. لقد اختار الأمير بندر بذكاء أن تكون الحلقة الأولى نوعاً من المكاشفة بشأن القضية العربية التأريخية التي أصبحت ملتبسة بسبب مساراتها الخاطئة وعثراتها الكبيرة، القضية العادلة التي يدافع عنها محامون فاشلون بحسب وصف الأمير، والتي بذريعة خدمتها اُرتُكب كثير من الشرور والآثام والغدر والخيانات للقريب والبعيد، وتحولت بسبب ذلك إلى صنبور للمكاسب الشخصية المستمرة للمتاجرين بها، ومعاناة مزمنة للشعب الفلسطيني المغلوب على أمره. إنها ضربة معلم عندما بدأ الأمير بندر حديثه الذي انتظرته الملايين بسرد تأريخي لمسارات القضية الفلسطينية وما قدمته المملكة من دعم سياسي لها منذ بدايتها إلى هذا الوقت، مدعماً بالوثائق التي تثبت أن المملكة ذهبت بعيداً في دعمها إلى حد المغامرة بعلاقاتها مع دول كبرى في بعض الأوقات، وتهيئة فرص لا تتكرر أضاعها قادة القضية باستهتار شديد ولا مسؤولية. كما أكد الأمير أن حديثه موجه بشكل أساسي للشعب السعودي، وهذه لمحة شديدة النباهة، فالجيل الجديد من السعوديين قد تشوش على بعضهم المغالطات التي يبثها الآن بعض المسؤولين الفلسطينيين مدعومين بإعلام رخيص للتشكيك في الدعم التأريخي السعودي للقضية الفلسطينية على خلفية المتغيرات السياسية الراهنة في المنطقة كجزء من التحولات الكبرى التي يشهدها العالم في علاقاته، فليس مهماً الآن تذكير الفلسطينيين بما يعرفونه جيداً وإنما توعية الجيل السعودي الذي أصبح مشغولاً بحاضره ومستقبله ولم يعد يهمه سوى وطنه، توعيته بالتأريخ السعودي المرتبط بهذه القضية حتى لا يزايد عليه أحد بالمغالطات والتشويش والتشويه. ربما كان الأفضل الانتظار حتى نهاية الحلقات للتعليق عليها لكن المتوقع أن الأمير سيفتح ملفات أخرى تحتاج إلى التعليق عليها بحسب طبيعتها، ويبدو مهماً استباق ما سيقال عن الحلقة الأولى من قبل المتاجرين بالقضية من إساءات للمملكة، وربط حديث الأمير بالمستجدات في علاقة دولتين خليجيتين مع إسرائيل كتوطئة وتحضير نفسي لما يعتقدون أن المملكة ستقدم عليه، متجاهلين تأكيدات القيادة السعودية المستمرة أن القضية الفلسطينية هي القضية العربية المركزية ومطالبتها الدائمة بحلول عادلة لها بغض النظر عن أي مستجدات تطرأ على العلاقات السياسية بين الدول، وبغض النظر عن أي قرارات سيادية تتخذها المملكة مستقبلاً بحكم ما تراه مناسبا لها ويخدم مصالحها وأمنها واستقرارها. الشعب السعودي والقيادة السعودية مستمرون في الدفاع عن القضية الفلسطينية ولكن ليس بطرق وأساليب المحامين الفاشلين الذين حولوها إلى مزاد للمكاسب حتى أوشكت على الضياع. المجاملات مع هؤلاء لم تعد تجدي ولا بد من المكاشفة لتعرية مواقفهم المخزية. [email protected]