بسم الله الرحمن الرحيم والحمد الله المحمود في جميع الأحوال القائل سبحانه: «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضيةً مرضية وادخلي في عبادي وادخلي جنتي»، وصلوات الله وملائكته على سيدنا محمد الذي قال ربه في حقه «وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين»، ومع ذلك قال له «إنك ميت وإنهم ميتون». أربعون يوما مرت.. أربعون يوما يا ظهري ويا سندي.. أربعون يوما وكل يوم يمر وكل لحظة أحس بفقد مختلف وأحاسيس مختلفة، ما بين رضا وحزن وزعل وكسر. توهان وضياع! أحاسيس وتفاصيل غريبة لم يخيل إلي أني قد أعيشها أو أحسها. لم أفقد أباً فحسب، فقدت نفسي، فقدت قوتي، فقدت ثقتي. اكتشفت أني حتى في الأمور التي كنت أعتمد فيها على نفسي، كنت حقيقة أعتمد عليك فيها، وأستمد قوتي ودعمي النفسي من وجودك وسيرتك العطرة اللي غمرتني فيها حيا وميتا. حبك فينا عززنا، ثقتك فينا بنتنا، دعمك لنا قوانا! لكن فجأة أحسست أنني فقدتها كلها في لحظة وفاتك. فقدت كل شيء. الله يرحمك رحمة واسعة ويبلغك عنا ما يسرك. كان إحساسي دوما أنه ما زالت هناك فسحة زمن وفسحة أمل تجمعنا لوقت أطول مع بعضنا البعض، أحلام وأمانٍ، كنت أتخيلك تعيشها معي وتشاركني فيها لكن للأسف الموت ليس له صاحب! إنه حكم الله، ولعله الخير. تعلمت منك أشياء كثيرة وأشياء، للأسف، لم أفهمها إلا بعد رحيلك! فهمت بعد رؤيتي لخاتمتك الحلوة التي أكرمك الله بها، فحين كنت أختلف معك في أمور وتقول لي «يا بنتي أنا بعامل ربنا»، أدركت أن معاملة البشر بما يستحقه البشر فيها لذة لحظية، ومعاملة الرب فيها لذة أبدية. الله يقدرنا لنكون مثلك وعند حسن ظنك. وجودك مختلف، تفكيرك مختلف، حنانك مختلف، اهتمامك مختلف، فهمك مختلف، حتى عصبيتك مختلفة. وحشتني، وحشني صوتك، وحشتني ضحكتك، وحشتني ريحتك، وحشتني كلك. رحمك الله يا أبي وأسكنك فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والصالحين بما قدمت لنا ولخدمة الإسلام والمسلمين.