لم يخطر ببالي ولو لحظة أن أدرك تلك العلاقة الحسية بيني وبين الدرج الذي أصعده وأهبط منه عشرات المرات، ولذا عرفت قيمة الصعود إلى الأعلى وعرفت أيضا أن الهبوط هو مسألة طبيعية في الحياة ولعبتها التي لا ندرك أننا أحجارها المتنقلة من مربع إلى آخر دون الشعور بذلك. حين أصعدها تنهمر علي لحظات الوصول ثم أدلف إلى غرفتي وكنت قد قررت في كل ليلة أن أقوم بإحصائها، ثم يغدر بي النوم وأقول: غدا. أغرب شيء في الهبوط لا يطرأ ببالي عدد الدرجات وخوفا من السقوط المفاجئ تذهب فكرة الإحصاء وأركز فقط على الوصول بسلام. في الحزن تضيق الأحلام قل تهرب منك وتحاول استعادتها ولكن أنت في حالة أخرى. هل يعقل لإنسان سوي أن يقضي عمره ليحصي درج منزله؟، انتصب هذا التساؤل كشيطان حقيقي ومقنع. حينها قررت أن أجمع صور العائلة قديمها وحديثها في الجانب الأيمن صعودا، بدأت بصورة والدي ثم أمي وأخي وحين وصلت إلى الطابق الثاني انتهى الدرج ولم تنته صور أحبائي، راودني شعور مذهل حين قفز سؤال مشاكس لماذا تضع صورة والدك في أسفل الدرج، مرت سحابة رسمت لي صورته حينها بكيت ولم أحسن الإجابة، ألغيت الفكرة وفي كل ليلة أحاول من جديد إحصاء الدرج وينبت الفشل. كان حلمي الذي لم أستطع تحقيقه أن يكون منزلي من طابق واحد، إلا أن ذلك يستدعي وجود مساحة أرض واسعة، ما زلت أحلم والعمر يركض إلى الأمام دون أن يحقق ولو الجزء الذي تورطت به، وأن أسكن منزلا به درج يفضي إلى الطابق الآخر ولم يمنحني حتى هذه اللحظة أن أحصي الدرج وأن أضع صورة أبي في المكان الذي يستحق. أصبح صعود الدرج يفقدني متعة وجودي. سلب مني قوة خلت أنها لا تنفد. وكانت في وسط الدرج وفوق نافذة تتوارى عنها الشمس صباحًا ومساء ساعة تزعجني صعودا وهبوطا تعد علي خطواتي، ثم ما لبثت أن داهمني شعور أنها تحصي أيامي، ذعرت وكانت دقاتها المتتابعة تضخم هذا الوهم. أكد هذا الوهم الذي لم أبح به لأي شخص لكن أحد الأبناء اقترح تركيب مصعد، حزنت قلت له: وأين أضع صورة أبي وأحبابي. لحظتها رمقت الساعة وأنا أصعد الدرج ببطء ملحوظ، سألتها: متى؟ لم تجب وأنا غامرت ورفضت فكرة المصعد، اخترت دقات الساعة ودقات قلبي.