مرت بالقرب من بيت عادي في حي شعبي وقفت تتأمل الطابق الرابع وكأنها تعرفه. لمعت في دموعها ذكرى جميلة، ذكرى الحبيب الأول. فراحت تسلسل لحظات السعادة التي عاشتها فيه، وتذكرت أيام الألم التي عاشتها من بعده. كان لها قصة حب اكتشفت بعد نهايتها أنها لم تصادف الحبيب ولا حتى طيفه. فهو لم يحبها قدر ما أحبته. ولم يصبر على المصاعب ولم يقدر تنازلاتها له. رحلت. هو أنهى علاقتهما بكلمة قاطعة لخيط الأمل في بداية جديدة. في الواقع، حلقة ما كانت تنقص في علاقتهما. تحبه، يحبها ولكن صمت الكلام كان يفضح قلة التفاهم بينهما. أما في البيت الأزرق فكانت تنسى النقص وتعيش أوقات سعيدة تعوضها عن رتابة العلاقة في الأماكن الأخرى. في الجامعة كانت تتناسى النقص نظراً لأن المكان يعج بالكلام، ليس الكلام الذي طالما انتظرته، ولكن ملء الفراغ كان ضرورياً. أما في البيت المهجور، المسكون بشغفهما فكانت تحقق كل مبتغاها من الحب والحبيب معاً. كانت تبرز أنوثتها كلما مارس رجولته عليها بين جدران مزينة بصور الفنانين. هي اليوم تحاول كتابة أدق التفاصيل عن ذكرى البيت الأزرق غير مكترثة إن وقعت الكلمات بين أيدي غريبة. نعم هي أنا. تتذكر فأكتب: كنا نستقل سيارة الأجرة سوياً، نترجل من السيارة فيسبقني. أتمشى وأتفرج على واجهات المحلات. أحياناً أشتري من الدكان الماء أو السكاكر. أخيراً أقرر صعوة الدرج. أربعة طوابق، أخطوها درجة درجة بحذر كي لا يراني أحد. أصل. لا أدق الباب بل أنتظر ليفتحه ويقول: "أهلاً". ندخل ونعبر صالة الإستقبال والمطبخ والحمام، لنصل الى غرفته. أجلس فيجلس بقربي على فرشتنا. ألاحظ أن الغرفة مرتبة على خلاف المرة السابقة. يطوي اللحاف ويضع نصفه على الحائط ويدعوني الى الجلوس في حجره، ويضع أول القبل على فمي. عند الرحيل أنزل السلالم حريصة على هدوئي. ويا لارتباكي وأنا أخرج من باب البناية متحدية عيون الناس. أطلب سيارة الأجرة، أصعد وحدي هذه المرة. أضع بعض الترتيب في شعري وأخيراً أشعل سيجارتي. أقصد الجامعة وكأن شيئاً لم يكن. أعتقد أننا التقينا خمس مرات في هذا البيت ذي المفتاح الأزرق. مسحت دموعها وأكملت طريقها علها تعبره لتمشي في قصة حب جديدة. أحلام